Titles 18-27
18- حجر الزاوية
“صار رأس الزاوية”
(مزمور 22:118 وأعمال 11:4)
يرمز الحجر دوماً إلى القوة والصلابة، فالمسيح قوي نستطيع أن نعتمد عليه. وكل من يتكل عليه لا يُخزى. وكل من يعتمد على الصلابة التي لا تلين، والتي لا تُخزى من يتكل عليها. وعندما يقول المسيح: “تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” يعلمنا أنه هو القوي الذي يقدر أن يقدم لنا الراحة، فهو الصُّلب الذي لا يمكن أن نعتمد عليه دون أن يخور أو يسقط.
وقد تردد لقب السيد المسيح “حجر الزاوية” أول ما تردد في المزمور المئة والثامن عشر، إذ يقول المرنم بروح النبوة عن السيد المسيح: “الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية من قِبَل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيينا”. وقد قال السيد المسيح إن المرنم قال هذا عنه، فهو رأس الزاوية ومع ذلك فقد رفضه البناؤون. وقد اقتبس المسيح قول المرنم في مثل الكرامين الأردياء. قال المسيح إن صاحبي كرم أرسل رجاله للكرامين ليعطوهم ثمر الكرم، ولكن الكرامين جلدوا العبيد واحداً بعد الآخر، وجرحوهم ورفضوهم. فما كان من صاحب الكرم إلا أن أرسل ابنه الحبيب، قائلاً: “لعلهم يهابون ابني” ولكن الكرامين الأردياء تآمروا أن يقتلوا الابن الوارث، زاعمين أنهم بقتله يأخذون الميراث، فقتلوه. وقال المسيح إن صاحب الكرم لا بد يأتي ويُهلك هؤلاء الكرامين الأشرار الذين قتلوا ابنه، بعد أن رفضوا عبيدهن ويعطي الكرم لكرامين آخرين. ثم علَّق المسيح على هذه القصة بقوله: “إذاً ما هو هذا المكتوب؟ الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض، ومن يسقط الحجر عليه يسحقه” (لوقا 17:20 و18).
وأدرك شيوخ اليهود أن المسيح يقول هذا المثل عنهم، لأنهم رفضوا المسيح حجر الزاوية ولا بد أن يترضضوا.
وفي إحدى عظات الرسول بطرس كلَّم اليهود عن المسيح الذي صلبوه، وقال لهم: “هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية. وليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص” (أعمال 11:4 و12).
قصة الحجر المرفوض:
وهناك قصة في تقليد يهودي تقول: إنه أثناء بناء هيكل سليمان وجد البناؤون حجراً كبيراً (هو حجر الزاوية)، لم يستطيعوا أن يفهموا السبب في وجوده، وظنوا أنه لا يصلح لشيء فرموه بعيداً. ولكنهم اندهشوا فيما بعد عندما وجدوا أن ذلك الحجر الذي رفضوه هو رأس الزاوية، الذي يربط أجزاء البناء معاً، ولا يمكن أن يثبت البناء بغيره. فعندما يقول المرنم إن الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية، يعني أن السيد المسيح هو حجر البناء العظيم، الذي لا يمكن أن يثبت البناء بغيره. ومع ذلك فإن الناس يرفضونه.
نقرأ في تاريخ الكنيسة أن الإمبراطور جوليان، المعروف بجوليان المرتد، أراد أن يمحو المسيحية، فبعد أن صار مسيحياً ارتد عنها وأراد أن يُرجع عقارب الساعة إلى الوراء، فحاول أن يمحو المسيحية بكل طريقة ممكنة. وذات يوم قال أحد الوثنيين لشخص مسيحي: “ماذا يعمل مسيحكم النجَّار الآن؟” فأجابه المسيحي: “مسيحُنا النجار يعمل الكفن للإمبراطور” وبعد قليل مات الإمبراطور المرتد جوليان في إحدى معاركه في بلاد فارس، إذ أصابه جرح نافذ. وندها أخذ جوليان بيده قبضة من دمه، رماها في الهواء كأنه يعارك السماء وقال: “لقد غلبت أيها الجليلي”.
انهزم جوليان أمام المسيح النجار الذي من الجليل. وإذا بالحجر الذي رفضه البناء جوليان قد صار رأس الزاوية، الذي لا يمكن أن يقوم ملكه بغيره. صحيح أن الناس يرفضون المسيح، لكنه صاحب المكان العظيم الذي لا يقدر الناس أن يعيشوا بدونه، فهو رأس الزاوية الذي لا يقوم البناء بغيره.
مؤامرات ضد المسيح:
أثناء حياة السيد المسيح على الأرض كان موضع مؤامرات باستمرار. كانت المؤامرة الأولى لقتله من الملك هيردوس الذي خاف أن يحتل المسيح عرشه، فأمر بقتل كل الأطفال الذين وُلدوا في بيت لحم، من ابن سنتين فما دون. ولكن المسيح نجا من الموت عندما هرب به يوسف النجار والعذراء مريم إلى مصر (متى 2). وأثناء خدمة المسيح كان موضع المؤامرات باستمرار، فكانوا يتشاورون عليه ليهلكوه. ويقول الإنجيل المقدس: “إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله” وأخيراً صلبه اليهود على الخشبة ولكنهم لم يهزموه. لم يقتلوه يقيناً، لأنه قام في اليوم الثالث من بين الأموات، منتصراً على الموت وعلى قوة الشر.
ويقول الرسول بطرس في رسالته الأولى: “لذلك يتضمن أيضاً في الكتاب هأنذا أضع في صهيون حجر زاوية مختاراً كريماً والذي يؤمن به لن يخزى” (6:2).
به وحده يقيم البناء:
يقول رسول المسيحية بولس في رسالته إلى كنيسة أفسس: “يسوع المسيح هو نفسه حجر الزاوية الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً للرب. الذي فيه أنتم أيضاً مبنيون معاً مسكناً لله في الروح” (أفسس 20:2 و21) لقد تكونت الكنيسة المسيحية من خلفيات مختلفة كثيرة. آمن البعض بالمسيح من خلفية يهودية، وآمن البعض الآخر وهم من خلفية وثنية، وكانوا مختلفون في الكثير، ولكن المسيح وحَّد قلوبهم وربطهم معاً، لأنه حجر الزاوية. لقد اجتمعوا معاً على حبه هو شخصياً. لم تكن العقيدة هي التي ربطت أولئك المختلفين من الخلفيات، بل كان الحب لشخص المسيح نفسه. نحن نختلف في العقيدة، والرئاسة الأرضية تقسمنا، لكن المسيح وحده هو الذي يربطنا. ونحن نقول إن المسيحية هي المسيح نفسه، فقد قال هو: “أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا”. وقال: “أنا هو الطريق والحق والحياة،وليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي”. ولما كان المسيح حياً فإنه يربط كل الذين يتعاملون معه ويؤمنون به معاً في حب حقيقي. لقد كانت الشهرة التي اشتهر بها المسيحيون الأولون أنهم يحبون بعضهم، حتى قال الوثنيون الذين راقبوهم: “انظروا كيف يحب المسيحيون بعضهم!” وفي تاريخ الكنيسة الطويل رغم كل ما فيه من أخطاء ظل المسيح حافظاً وحدة الكنيسة الروحية، لأن الله في وسطها فلن تتزعزع. وعندما نعقد زيجة مسيحية نقول: “ما جمعه الله لا يفرقه إنسان” ذلك أنه عندما يجتمع اثنان معاً، رجل وامرأة، من خلفيتين مختلفتين، ولكنهما في الوقت نفسه يحبان المسيح من كل القلب، فغن المسيح يوحد القلبين لأنه رئيس البيت. يتحطم البيت عندما يحاول الزوج أن يغير زوجته، وعندما تحاول الزوجة أن تغير زوجها. ولكن عندما يسلمان نفسيهما للمسيح يغيرهما هو، فإنه يعدل الأفكار المختلفة ويربط القلوب المتباعدة، ليجعل منها بيتاً واحداً يتحقق فيها قوله: “حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم” (متى 20:18). إن كنت في خصام مع أحد، أو إن كانت حالتك العائلية سيئة، فإننا ندعوك أن تقصد المسيح الذي ينزع منك كل خصاك، لأنه هو الذي يربط القلوب برباط المحبة والسلام، وهو الذي علمنا أن نصلي في الصلاة الربانية قائلين: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا” فكما غفر لك المسيح تستطيع أن تغفر لغيرك، لأنه يملأ حياتك (متى 12:6).
الحجر يبني أو يسحق:
ذكر المسيح في مثل الكرامين الأردياء الذي يسقط على ذلك الحجر يترضض، والذي يسقط الحجر عليه يسحقه. وقد ظهر هذا في نبوة سمعان الشيخ، حين أخذ الطفل يسوع من أمه العذراء مريم، وحمله وقال: “هذا قد وضع لسقوط و قيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تُقاوم. وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيف لتعلن أفكار من قلوب كثيرة” (لوقا 34:2 و35). فهناك من يقبل المسيح فيخلص، وهناك من يرفضه فيتحطم، وقال الرسول بولس: “فانهم اصطدموا بحجر الصدمة، كما هو مكتوب: ها أنا أضع في صهيون حجر صدمة و صخرة عثرة وكل من يؤمن به لن يُخزى” (رومية 32:9 و33). فكل من يضع ثقته في المسيح المخلص لا يمكن أن يُخزى، لأن الله يقبله ويغفر له خطاياه. أما الذي يرفض المسيح فإنه يترضض. وقد ظهر هذا فيما قاله النبي إشعياء في التوراة: “ويكون مقدساً وحجر صدمة وصخرة عثرة لبني إسرائيل” (إشعياء 14:8).
نظر كثيرون إلى المسيح فوجدوه إنساناً عادياً، وكانوا يتوقعون المخلص الآتي ملكاً عظيم الجبروت، فشكوا فيه وعثروا به. ولكن الذين فتح الروح القدس قلوبهم وعقولهم ليروا ما وراء حجاب الجسد الذي حجب مجد المسيح، استطاعوا أن يروا فيه المخلص الآتي. ونحن نتساءل: كيف يصير المسيح للهدم وللبناء في وقت واحد معاً؟ كيف يكون مقدساً وفي نفس الوقت حجر صدمة؟ والإجابة: إن المسيح يكون ملجأً مقدساً للذي يؤمن به، وفي الوقت نفسه هو حجر صدمة لمن يرفض الإيمان به. افرض أن شخص متضايقاً لجأ إلى مذبح الرب، فهو إن كان مؤمناً يجد الراحة والبركة لأنه يرى وجه الله. أما إن كان غير مؤمن فإنه يرى في مذبح الرب كومة أحجار يسقط عليها أو تصدمه وتعطله عن التقدم.
ندعوك أن تجيء للمسيح بالإيمان لتجد فيه الفداء والبركة، فيصبح حجر الزاوية الذي يبنيك ويثبتك. والأمر كله يتوقف عليك إن قبلته أو رفضته. إن المسيح كالشمس التي تلين الشمع، ولكنها تجفف الطين. فهل لك من المسيح بركة الفداء أم لعنة العقاب؟
الحجر أساس متين:
المسيح هو الأساس المتين فقد قال في نهاية موعظته على الجبل: “كل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها، أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر، فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسساً على الصخر. وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح و صدمت ذلك البيت فسقط وكان سقوطه عظيماً” (متى 24:7-27).
في هذه الكلمات يقول لنا المسيح: إن الذي يسمع كلمته ويعمل بها يشبه الحكيم الذي بنى بيته على الصخر، والصخر هو المتماسك. أما الجاهل فهو الذي يسمع كلام المسيح ولا يعمل به، فكأنه يبني بيته على رمل. والرمل متسيب لا تماسك فيه. وهذا قول حق، فالذي يبني على المحبة هو الذي يتماسك ويستمر، والذي يبني على البغضة والتناحر هو الذي يُهزم ويسقط. ولما كان الله محبة فإن الذي يبني حياته على أقوال الله يثبت ويبقى ويدوم. المسيح هو الصخر وحجر الزاوية الذي نستند عليه، إن كنا نطيعه ونعمل بما يقول. أما إذا لم نعمل بكلامه فإننا نُهلك أنفسنا ونحكم عليها بالهلاك والخراب والموت.
ابن حياتك على طاعة المسيح. ابن على الحجر والصخر تنجح وتفلح وتثمر. وهذا يتطلب أن تقرأ ما قاله المسيح، لأنك لا يمكن أن تعتمد على ما لا تعلم. ندعوك أن تأخذ نسخة من الإنجيل المقدس لتقرأها، لتدرس وتعرف ما قاله المسيح، ولتجتهد بكل طاقتك أن تطيعه في حياتك لتفلح وتنجح.
الحجر الذي يملأ الأرض:
في سفر النبي دانيال نقرأ عن الحجر الذي يملأ الأرض. فقد حلم الملك نبوخذنصر ملك بابل حلماً لم يحكه لأحد. وطلب من رجال مملكته مَن يحكي حلمه ويفسره في الوقت نفسه. ولم يستطع أحد أن يفعل ذلك إلا النبي دانيال. قال النبي للملك: “أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل. رأس هذا التمثال من ذهب جيد صدره وذراعاه من فضة بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف. كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها” (دانيال 31:2-35).
هذه نبوة عن السيد المسيح، ففي ذلك الحلم الذي أعلن الله فيه للملك نبوخذنصر أن كل الممالك تنتهي وكل الرياسات تسقط، ولا يبقى إلا المسيح، الحجر المقطوع بغير يدين، لأنه وُلد بغير أب بشري، بل حُبل به من مريم العذراء من الروح القدس. هذا الحجر يصير حجر الزاوية، جبلاً كبيراً يملأ الأرض كلها، لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه. ونحن ندعوك أن تفتح قلبك للمسيح لتجد خلاص نفسك، فيجيء يوم تجثو لاسمه كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (فيلبي 9:2-11).
هذا هو المسيح حجر الزاوية المختار الكريم الذي ينقذ ويخلص كل من يضع ثقته فيه، والذي كل من يؤمن به لن يُخزى، لأنه يمنحه غفران خطيته. وندعوك أن تفعل ما يصفه الإنجيل المقدس بالقول: “أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه، الذين ولدوا من الله”. وكل من يقبل المسيح الحجر المختار الكريم، يصبح من شعب الله الذي ينال الرحمة، لان كفارة المسيح تستره، وتضمن له مغفرة خطيته.

19- الراعي الصالح
“أنا هو الراعي الصالح” (يوحنا 11:10)
يتحدث العهد القديم عن الله فيقول إنه الراعي، وهذا واضح من قول المرنم: “الرب راعي فلا يعوزني شيء” (مزمور 1:23) وواضح أيضاً من القول: “هو صنعنا وله نحن شعبه وغنم مرعاه” (مزمور 3:100). وقدم النبي إشعياء صورة جميلة للرب الذي يرعى شعبه فيقول: “كراع يرعى قطيعه بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها و يقود المرضعات” (إشعياء 11:40) ويتحدث النبي حزقيال بفم الرب عن نفسه فيقول: “هأنذا أسأل عن غنمي وأفتقدها..أرعاها في مرعى جيد..أنا أرعى غنمي وأربضها يقول السيد الرب. وأطلب الضال وأسترد المطرود وأجبر الكسير وأعصب الجريح وأبيد السمين والقوي وأرعاها بعدل” (حزقيال 11:34-16).
وقد تحدث المسيح عن نفسه باعتباره الراعي الصالح. إنه يفتش عن الضال لأنه “ليست مشيئة أمام أبيكم الذي في السماوات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار” (متى 14:18) وقد تحرك قلبه بالحب على الشعب حين “رآهم كغنم لا راعي لها” (متى 36:9). وقد حدث تلاميذه على أنهم “القطيع الصغير الذي سُرَّ الآب أن يعطيه الملكوت” (لوقا 32:12).
وفوق الكل يظهر كلام المسيح عن نفسه أنه الراعي الصالح في قوله: أنا هو الراعي الصالح” (يوحنا 14:10).
وقد رأت الكنيسة الأولى أن يسوع هو راعيها الصالح، فقال الرسول بطرس: “كنتم كخراف ضالة، لكنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم وأسقفها” (1بطرس 25:2)، ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين إن المسيح “راعي الخراف العظيم” (عب 20:13).
الراعي الصالح يعرف الخراف:
يقول المسيح إن الراعي الصالح يعرف خرافه معرفة قوية. إنه يعطيها أسماء، ولكل حمل اسم خاص!
والخراف تعرف الراعي، وتعرف صوته، وحين يناديها تتبعه، ولكنها لا تطيع الغرباء، لأنها تميز بين صوت الراعي وصوت الغريب.
وكان الراعي في فلسطين يعرف خرافه معرفة خاصة، لأن النعجة تبقى معه تسع سنوات أحياناً، يأخذ لبنها وصوفها.. وكانت الأسماء التي يعطيها للخراف تظهر صفاتها وطبعها.
ومعرفة المسيح بنا معرفة قوية. إنه يعرف ظروفنا وأحوالنا وضعفاتنا وكل ما فينا، وهو يعرف ويقدر.
إنه يقول: أعرف خاصتي وخاصتي تعرفني، كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب”
هل تميز صوت المسيح عن صوت الغريب؟ وهل تطيع صوت الراعي وحده، ولا تتبع سواه؟
الراعي الصالح يحمي الخراف:
كان الراعي يسير أمام الخراف، والخراف تتبعه.. وهذا معناه أن الراعي قائد الخراف، إنها هي رعيته وغنم مرعاه.. لكن الراعي كان يسير أمام الخراف حتى يحميها. كان يدخل في الطريق المظلم بين الجبال فإذا كان هناك وحش أو لص يقابله أولاً، ويحاربه، ويخلص الخراف منه.
ويقول المسيح عن الراعي الصالح: “متى أخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها والخراف تتبعه لأنها تعرف صوته” (يوحنا 4:10).
المسيح أمامنا يحمينا فلا نخاف.
“إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي” (مزمور 4:23).
وكان الراعي يحمل عادة العصا، وطولها متر ورأسها من الخشب الغليظ، وكان الراعي يستعمل العصا في ضرب الحيوانات المفترسة واللصوص.
كانت فلسطين مكاناً للحيوانات المفترسة من الأسد والدب والذئب. وبقيت الأسود في فلسطين حتى عهد الصليبيين.. وكان الراعي الصالح يحمي خرافه من الوحوش.
وكان اللصوص، وما زالوا، يسرقون . والراعي الصالح يحمي خرافه من اللصوص إنه يبذل نفسه دفاعاً عن خرافه. والراعي يسير أمام الخراف يحمل الصغار من الحملان في حضنه حتى يحميها. وأنت تسير مع المسيح أيها القارئ لا تخف لأنه معك يحميك.
الراعي الصالح يبحث عن الضال:
وقد حدثنا المسيح عن الراعي الصالح الذي يذهب يفتش عن الخروف الضال حتى يجده! وقال المسيح عن نفسه إن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك.
وكان الراعي في فلسطين يعرف الأثر.. فإذا ضل منه خروف تبع أثره حتى يجده! والمسيح يعرف طبيعتنا. ويدرك ضعفنا، ويعلم نواحي الضعف فينا.. ويفتش حتى يجدنا. وكان الراعي في فلسطين يعد خرافه، فإذا وجد أحدها ضالاً، لان العدد ناقص، يمضي وراء الضال حتى يجده!
وكان يستعمل طريقين لإرجاع الخروف الذي يبتعد عن القطيع:
كان يستعمل العكاز – وهو عصا طويلة طولها طول الراعي نفسه، وطرفها أعوج – فيسحب به الخروف الذي يبتعد، قبل أن يضل بعيداً.
ثم كان يستعمل المقلاع – فإذا ابتعد الخروف جداً يرمي حجراً من المقلاع ليقع أمام أنف الخروف، فيخاف الخروف الضال ويرجع.
ولا زال الله يستعمل معنا العكاز، يسحبنا به إذا ضللنا.. وقد قال المرنم: “قبل أن أذلل أنا ضللت”.
ثم يستعمل معنا الحجر ليضربنا أمام أنوفنا .. بتجربة أو عقاب بسيط، حتى نتوب ونرجع. والذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله.
الراعي الصالح يعتني بالخراف:
كان الراعي الصالح يتعب من اجل الخراف. وقد قال يعقوب: “كنت في النهار يأكلني الحر، وفي الليل الجليد، وطار نومي من عيني” (تكوين 40:31)
ولكن المسيح يتكلم عن شيء أعظم من هذا..
إنه يكرر ثلاث مرات فكرة بذل نفسه من أجل الخراف.
إنه يقول: “الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف” ويقول: “أنا أضع نفسي عن الخراف”
ويقول: “ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً”.
والمسيح يتحدث عن أنه بذل نفسه حتى الموت، موت الصليب.
كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا.
أيها القارئ العزيز:
مات المسيح لأجلك ليخلصك من لعنة الخطية.
بذل نفسه لأجلك ليفديك ويغطي شرك.
هل آمنت بعمله من أجلك؟ وماذا فعلت من أجله.

20- القيامة
“أنا هو القيامة والحياة” (يوحنا 25:11)
قال السيد المسيح: “أنا هو القيامة والحياة”. وقت أن أقام لعازر من بين الأموات. وكان لعازر حبيب المسيح قد مات منذ أربعة أيام وأنتن في القبر، فأرسلت مريم ومرثا أختا لعازر رسولاً ليقول للسيد المسيح إن لعازر حبيبه مريض، وتطلبان منه أن يأتي ليشفيه. لكن المسيح تأخر حتى مات لعازر ودُفن. عندئذ أخذ المسيح تلاميذه إلى بيت عنيا. وما إن وصل إلى حدود القرية، وسمعت مرثا بذلك، حتى خرجت إليه مسرعة حيث كان، وقالت له في عتاب محبة: “يا سيدي لو كنت ههنا لم يمت أخي”. ثم قالت في إيمان:”ولكني أنا أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه”. وأمام هذا ا لإيمان العظيم قال المسيح لمرثا: “سيقوم أخوك” ولم تدرك مرثا عمق معنى كلام المسيح فقالت له: “أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة ، في اليوم الأخير”. وهنا بدأ السيد المسيح يشرح لها ما لم تقدر أن تفهمه. قال لها: “أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد”. ثم سألها: “أتؤمنين بهذا؟” فأجابت “نعم يا سيد، أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله، الآتي إلى العالم”.
وهنا أدركت مريم أن أختها مرثا تتحدث مع المسيح، فخرجت إليه أيضاً خارج حدود القرية، وجعلت تعاتبه بذات الكلام الذي عاتبته به مرثا قائلة: “يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي” يبدو أن الأختين كانتا ترددان ذات العبارة مرات كثيرة. وعندها طلب المسيح من الأختين أن تذهبا معه إلى القبر. وتجمَّع عدد كبير من الذين كانوا يعزون الأختين. وطلب المسيح أن يرفعوا الحجر عن باب القبر، فقالت مرثا: “يا سيد، قد أنتن، لان له أربعة أيام” كان واضحاً أن مرثا لم تفهم عمق غنى إعلان المسيح لها بأنه هو القيامة والحياة. ولكن المسيح أطال أناته على مرثا وقال لها: “ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله؟”. ولما رفعوا الحجر حيث كان لعازر مدفوناً، رفع المسيح عينيه إلى فوق يصلي قائلاً: “أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك أنت أرسلتني”. ثم نادى بصوت عظيم: “لعازر، هلم خارجاً”. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل، فقال لهم المسيح: “حلُّوه ودعوه يذهب”.
قيامتان:
في قصة إقامة لعازر من الموت نرى أمرين عظيمين: نرى إعلاناً عظيماً، ونرى عملاً عظيماً يساند الإعلان. الإعلان هو: “أنا هو القيامة والحياة”. أما العمل فهو أنه فعلاً أقام الميت ووهبه الحياة. ولا زال المسيح إلى يومنا هذا يفعل الأمرين معاً. إنه يعطي حياة ويُقيم أموات الخطية من خطاياهم. فلنستمع إلى ما قاله: “الحق الحق أقول لكم، إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حيا أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة. الحق الحق أقول لكم إنه تأتي ساعة وهي الآن، حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون، لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان” (يوحنا 24:5-27).
ثم مضى المسيح يقول: “لا تتعجبوا من هذا، فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة” (يوحنا 28:5 و29).
في هذه الكلمات نرى المسيح يُقيم قيامتين: الأولى يُقيم فيها موتى الخطية، لينقلهم من الموت إلى الحياة، وليرفع عنهم الدينونة، لأنه يهبهم الغفران . والمسيح يقول عن هذه القيامة إنها ” الآن” “تأتي ساعة وهي الآن”. ثم يتكلم عن قيام أخرى ستحدث في اليوم الأخير، عندما يسمع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، وهذه هي القيامة الثانية.. القيامة في اليوم الأخير.
الإنسان ميت بذنوبه وخطاياه. فكل إنسان منفصل عن الله، لا صلة له بالرب، هو ميت، لان حياة الله ليست فيه. لكن المسيح في محبته يُقيم الإنسان الخاطئ من موت خطيته، فيتحقق معه قول الرسول بولس: “الله الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا، أحيانا مع المسيح، وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات” (أفسس 4:2-6).
أدعوك لان تفتح قلبك للمسيح ليسكن فيه، فيعطيك القيامة من موت الخطية، ويملأك بالحياة القوية العميقة، لأن المسيح هو القيامة والحياة.
من هو هذا الذي يأمر الميت في قبره فيمنحه الحياة؟ أليس هو الخالق المحيي القادر على كل شيء صاحب السلطان على الهاوية والموت، معطي الحياة. لم يقل أحد قط من قبل المسيح: “أنا هو القيامة”. لكنه هو الذي قال هذه الكلمات، لأنه يمنح الحياة لكل من يضع ثقته فيه. إن الخطية أهلكتنا وضيعتنا وفصلت بيننا وبين الله، ولكن المسيح يقول لك: “أنا هو القيامة والحياة” لأنه يريد أن يهبك حياة أبدية وخلوداً دائماً، عندما يسكن قلبك ويملأ حياتك.
الأول والآخر:
عندما قال المسيح إنه القيامة والحياة، قصد أول حياة الإنسان، لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد. كما قصد نهاية حياة الإنسان. لأن به وفيه يقوم الإنسان من موته. نعم، إن المسيح يملك الحياة الحاضرة والمستقبلة. وهو صاحب السلطان هنا في هذه الحياة، وهناك في الحياة الأخرى. منه تبدأ وإليه تنتهي.. هذا صاحب القيامتين، فكل من يقبله مخلصاً يقوم من موت الخطية، ثم يقوم إلى قيامة الأبرار في اليوم الأخير.
لا سلطان للموت:
عندما قال المسيح لمرثا إنه القيامة والحياة، كان لعازر جثة في القبر. ولقد قال المسيح: “من آمن بي ولو مات فسيحيا” وليس معنى كلام المسيح أن المؤمن خالد بالجسد، فإن الموت يسود على كل من يحيا على هذه الأرض. وأي إنسان يحيا ولا يرى الموت؟ فالموت طريق الأرض كلها. لكن معنى قول المسيح هو أن الموت لا يسود المؤمن، فقد حطم المسيح بقيامته الموت والقبر. وكما يموت الجميع في آدم يحيا الجميع في المسيح الحي. يقول الرسول بولس: “عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضاً، لا يسود عليه الموت بعد” (رومية 9:6). وكلا من هو للمسيح لا يسود عليه الموت. الحقيقة أن الموت لا يقدر أن يسود على المؤمن لأن حياته من حياة المسيح فيه، ومحفوظة في المسيح، ويضمنها المسيح، الذي يقول الإنجيل عنه إنه أباد بالموت ذاك الذي له سلطان على الموت أي إبليس. يموت المؤمن كما يموت غير المؤمن، لكن الفرق بين موت الإثنين هو أن موت المؤمن مثل حصاد الحنطة التي يجمعها السيد في مخازنه لأنها نافعة، بينما موت الخاطئ يشبه جمع الزوان ليحرقه بنار لا تُطفأ.
نحن نشترك في حياة الله:
في تأملنا في لقب السيد المسيح أنه القيامة، نقو إنه يشركنا معه في حياة الله التي لا تنتهي. في المزمور التسعين نقرأ صلاة لموسى رجل الله، قال فيها للرب: “أيام سنينا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون، وأفخرها تعب وبلية، لأنها تقرض سريعاً فتطير” (مز 10:90). هذه هي الحياة الأرضية. أما حياة الله فهي أبدية لا تنتهي أبداً. وما أجمل ما قال المسيح: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 16:3). من هذا نرى أن الموت ليس نهاية حياة المؤمن بالمسيح، لكنه الباب الذي يقود المؤمن بالمسيح إلى حياة جديدة أبدية. ما اجمل ما قال واحد من رجال الله القديسين، هو القديس إدوارد المعترف، ساعة موته: “لا تبكوا. سوف لا أموت ولكني سأحيا. وإذ أترك أرض الأموات أثق أني سأرى بركات الرب في ارض الأحياء” كأن هذا لقديس يقول إنه وهو يموت لا ينتقل من حياة إلى موت، ولكنه يخرج من الحياة الأدنى إلى الحياة الأسمى، عن طريق باب الموت.
رأينا المسيح يشرح لمرثا أنه القيامة والحياة. وسألها إن كانت تؤمن بأن من آمن به ولو مات فسيحيا، فقالت له: “نعم يا سيد” والمسيح يوجه إليك السؤال نفسه: هل تؤمن؟ إنه يطلب منك أن تضع ثقتك فيه، لتنال الحياة منه ولتنال القيامة معه.

21- الطريق
“أنا هو الطريق والحق والحياة” (يوحنا 6:14)
قال السيد المسيح لتلاميذه: “أنا هو الطريق والحق والحياة”. لم يقل: “جئت لأعلم الطريق” ولا: “جئت لأعطي وصفة الطريق” ولا: “جئت لأقدم رسماً لخريطة الطريق” بل قال إنه هو نفسه الطريق.
كان المسيح قد قدَّم لتلاميذه فريضة العشاء الرباني. وبعد العشاء الأخير قال لهم: “واحدٌ منكم سيسلمني”. ثم قال لبطرس: “لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات”. بالرغم من هذا أعلن لهم حبَّه، وطلب منهم أن يؤمنوا به لكي لا تضطرب قلوبهم، ووعدهم ببيت أبدي وقال: “وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق” (يوحنا 4:14).
ونحن مدينون لتلميذ المسيح توما الذي لم يفهم معنى كلمات المسيح فسأل: “يا سيد، لسنا نعلم أين نذهب، فكيف نقدر ان نعرف الطريق؟”. لم يقبل أن يبقى في جهل، ولم يظهر أنه فاهم بينما هو غير فاهم. لقد كان متواضعاً راغباً في المعرفة، فكان أن أعلن له المسيح هذا الإعلان العظيم: “أنا هو الطريق والحق والحياة” ونلنا نحن بركة هذا الإعلان بعد أن قاله المسيح لتلميذه المتواضع المُخلص توما.
الطريق الوحيد:
قال السيد المسيح “أنا هو الطريق” هذا يعني أنه هو الطريق الوحيد الذي يوصلنا إلى الله. إن الإنسان خاطئ لا يملك طريقاً يوصله إلى الله، والخطية تفصل بينه وبين الله بمسافة كبيرة، فالإنسان شرير والله قدوس، عيناه أطهر من أن تنظرا الشر. لقد فصلت الخطية الخاطئة جداً بين الإنسان وبين الله. فعندما أخطأ آدم يقول الكتاب: “فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل في الأرض التي أُخذ منها. فطرد الله الإنسان، وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم، ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة” (تكوين 3:24). كان لا بد إذاً أن يكون هناك طريق يوصل بين الإنسان المطرود وبين الجنة، لأن الخطية أغلقت طريق الحياة في وجه الإنسان. وفكر أيوب كثيراً في هذا فقال: “كيف يتبرر الإنسان عند الله؟” ثم مضى يقول في أسى: “ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا” وجاء المسيح ليجاوب على سؤال أيوب الذي لم يجد له جواباً، فقال لنا إن الإنسان يتبرر عند الله، عندما يحتمي بالمسيح، فيجد طريقه إلى الله. لقد جاء المصالح، المسيح الطريق الذي يوصلنا إلى إلهنا. قال الفيلسوف أفلاطون: “يصعب أن نكتشف أباً لهذا طالب به أيوب في سفره قد جاءنا – المسيح الطريق إلى الله. يقول لنا ما قاله الله على فم إشعياء قديماً: “أذناك تسمعان كلمة خلفك قائلة: هذه هي الطريق. اسلكوا فيها حينما تميلون إلى اليمين وحينما تميلون إلى اليسار” (إشعياء 21:30) نعم فأينما توجهنا فإننا في المسيح يميناً أو يساراً، حيثما كنا، نجد طريقنا إلى الله. ولذلك فإن هناك النبوة الكتابية عن المسيح تقول: “وأسير العمى في طريق لم يعرفوها. في مسالك لم يدورها أمشيهم، أجعل الظلمة أمامهم نوراً والمعوجات مستقيمة، هذه الأمور أفعلها ولا أتركهم” (إشعياء 16:42).
هذه الكلمات التي قالها الله على فم نبيه إشعياء تؤكد لنا أن المسيح هو الآتي إلى العالم طريقً وحيداً يوصل الناس إلى الله. ولا عجب فالمسيح هو الطريق الوحيد لأنه طريق ا لغفران، فلقد دفع ديننا على الصليب، ووفى ما كان يجب أن نوفيه نحن. ولذلك فإننا نرى مصيرين مختلفين تماماً لتلميذين من تلاميذ المسيح الذين أخطأوا. كان هناك بطرس الذي لما أخطأ خرج إلى خارج يبكي مستغفراً فأعطاه المسيح غفراناً. وهناك يهوذا الذي خان المسيح فلم يستغفر، بل في يأس مضى وخنق نفسه. وجد بطرس طريقه إلى صداقة مع الله، بينما ضاع يهوذا لأنه لم يجد طريقه إلى الله من خلال التوبة بالمسيح.
عزيزي القارئ، المسيح هو الطريق للصداقة مع الله، لن نتوه في الأرض كقايين مغتربين عن الله، كل من يجدنا يضربنا (تكوين 14:4). لكننا نجد طريقاً يوصلنا إلى الرب نفسه، هو المسيح الذي وفى ديننا وأوجد السلام بيننا وبين الله. نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين: “فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع. طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أي جسده” (عبرانيين 19:10).
هذا هو المسيح، الطريق إلى الله، طريق جديد غير الطريق القديم، الذي يحرسه سيف النار. هو طريق حي لأن المسيح حي. هذا الطريق هو جسد المسيح عندما صار إنساناً فأعطانا مثالاً لنتبع خطواته، ونعرف الطريق الصحيح إلى الله.
الطريق المفتوح دائماً:
يقول المسيح: “من يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً” (يوحنا 37:6). فحينما تأتي، في أي وقت من الحياة، في شبابك أو في شيخوختك، الآن هناك دعوة موجهة إليك أن تجيء إلى المسيح فوراً. استمع إلى هذه الكلمات المباركة التي قدمها نبيُ الله إشعياء كنبوة عن مجيء المسيح إلى العالم. يقول: “تكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق المقدسة، لا يعبر فيها نجس. بل هي لهم. من سلك في الطريق حتى الجُهَّال لا يضل” (إشعياء 8:35).
الآن تعال، سواء كنت بعيداً عن الله أو قريباً منه. سواء في مطلع الحياة أو في منتصفها أو قرب نهايتها. إنه يدعوك أن تجيء إليه بدون تأخير، فإن بابه مفتوح لك باستمرار.
هناك خروج رمزي من مصر بزعامة موسى من العبودية وسوء العذاب، إلى الحرية. ودخول آخر إلى أرض الراحة قادة يشوع. والسيد المسيح يفعل روحياً الأمرين معاً. إنه يخرجك من عبودية الخطية إلى خلاص به.. يخرجك من سوء العذاب الذي تجوز فيه لأن العالم والخطية يستعبدانك. وهناك شيء آخر: إنه يدخلك إلى مجده الأبدي، لأنه يقول: “حيث أكون أنا هناك يكون تلميذي”.
تعالى إلى المسيح الآن قبل أن يغلق الباب بموتك، أو قبل أن يغلق بمجيئه ثانية، عندما لا تجد فرصة للتوبة.
الطريق الضيق:
إنه الطريق الضيق تدخل فيه بدون عمل صالح تدَّعيه، وبدون خطية تصاحبك. تدخل فيه لأنه يجب أن تسلم حياتك للمسيح كما أنت، بما فيك من خطايا، ليطهرك. وبما فيك من ضعفات ليقويك، وبما فيك من بعد عن الله ليقربك.
لقد قال السيد المسيح لنا: “ادخلوا من الباب الضيق لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه” (متى 13:7 و14).
قليلون يجدون الطريق، والسيد المسيح هو الطريق الضيق الذي يريد أن يجعل إرادتك خاضعة لإرادة الله ومشيئتك طبق مشيئته.
الطريق إلى قلوب الناس:
المسيح طريقنا إلى الله، وهو أيضاً طريقنا إلى قلوب الناس. هل تريد أن تكون محبوباً؟ هل تحب أن تكون صديق الجميع؟ المسيح الذي هو الطريق يحقق لك هذه الرغبة، فإنك إذا عملت بوصاياه كما قالها لنا في الموعظة على الجبل ستكون محبوباً من الجميع وصديقاً للكل. ستكسب الكل إلى جانبك لأن شريعة المسيح هي شريعة المحبة والغفران والعطاء والتضحية من أجل الآخرين. عندما تسير في طريق المسيح يحبك الآخرون، فتستطيع أن تقودهم إلى محبته، ترد الضال وتقرِّب البعيد، إلى الله، وتصبح رابح النفوس الحكيم. إن المسيح هو الطريق إلى السعادة الحقيقية.
ندعوك أن تتعرف به فتجد سلامك مع الله وسلامك مع نفسك، وسلامك مع الآخرين، وبذلك يأتيك كل الخير. هل وجدت الطريق إلى الله بالمسيح؟ لا يستطيع أحد أن يصل إلى الآب إلا بالمسيح، لأنه وحده قال إنه الطريق الحقيقي إلى الحياة. ندعوك لان تقبل المسيح في قلبك ليغفر ذنبك ويوصلك إلى الله وإلى السماء. فالمسيح هو السُّلم الذي رآه يعقوب في رؤياه، السلم الذي يصل الأرض بالسماء. لقد قال المسيح: “من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان” نعم، فالمسيح هو الطريق الذي به نصعد إلى الله، والذي به تنزل إلينا بركات الله.

22- الحق
“أنا هو الطريق والحق والحياة” (يوحنا 6:14)
كلنا نسأل: من هو الحق؟ أين نجد الحق؟ والسيد المسيح يقول: “أنا هو الحق”.
في سفر الملوك الأول الأصحاح العاشر نقرأ عن ملكة سبأ التي سمعت بخبر الملك سليمان، وعرفت بالمجد الذي أعطاه الله له، فسافرت إليه لتمتحنه بمسائل. وجاءت إلى أورشليم بموكب عظيم جداً، بجمال حاملة أطياباً وذهباً كثرياً جداً وحجارة كريمة، ووجهت أسئلتها إلى الملك سليمان، وعندما أجابها سليمان عما سألت قالت له: “ليكن مباركاً الرب إلهك الذي سرَّ بك” (1ملوك 9:10).
كانت ملكة سبأ تملك الثروة والأطياب والسلطان، لكنها كانت تحتاج لأن تعرف الحق، فسافرت خمسة وعشرين ألف كيلومتر لتلتقي بالملك سليمان لتطلب الحق. ولذلك قال السيد المسيح يعنيها: “ملكة سبأ ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان وهوذا أعظم من سليمان ههنا” (لوقا 31:11).
نقرأ في إنجيل يوحنا الأصحاح السادس أن المسيح أطعم خمسة آلاف جائع بخمس خبزات وسمكتين. ثم قال لمستمعيه: “من يأكل جسدي و يشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من يأكل جسدي و يشرب دمي يثبت في وأنا فيه. من يأكلني فهو يحيا بي. هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا” (يوحنا 54:6-58). وقال كثيرون من تلاميذ المسيح عندما سمعوا: “إن هذا الكلام صعب من يقدر أن يفهمه؟”. فقال لهم المسيح: “الروح هو الذي يحيي، أما الجسد فلا يفيد شيئا الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة، ولكن منكم قوم لا يؤمنون” (يوحنا 60:6-64). ثم التفت المسيح إلى تلاميذه وقال له: “ألعلكم أنتم تريدون ان تمضوا؟” فكان أن جاوب سمعان بطرس، نائباً عن بقية التلاميذ وقال: “يا رب، إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي”.
لقد أدرك بطرس أن المسيح هو الحق، وأن ما يقوله هو حق، ولذلك لم يجد طريقاً آخر يصل به إلى الله لينال الحياة إلا يسوع المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة.
الحق هو الأصل:
المسيح هو الحق لأنه هو الأصل. في التوراة نرى الرمز، أما المسيح فهو تحقيق الرموز. نقرأ في التوراة عن فريضة الفصح، إذ أمر الله بني إسرائيل أن يحتفلوا سنوياً بأكل حمل عمره سنة، في عيد الفصح، تذكاراً لنجاتهم من سوء العذاب الذي قاسوه في مصر. ويقول الإنجيل لنا إن المسيح فصحنا ذبح لأجلنا، فهو الذي حررنا من خطيتنا (1كورنثوس 7:5). وفي التوراة نقرأ عن ا لصخرة التي ضربها موسى فأخرجت ماءً روى الشعب العطشان في الصحراء ويقول لنا الإنجيل إن تلك الصخرة كانت تشير إلى المسيح، يقول: “كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح” (1كورنثوس 4:10). لا عجب أن المسيح يقول لنا إنه هو الحق الذي أشار إليه كل رمز في التوراة. كل ما سبقه ظل أما هو فإنه الأصل.
ولقد أشار كهنوت العهد القديم إلى المسيح، فهو الكاهن الأعظم الذي رمز إليه هارون ونسله. ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: “وخلاصة القول في هذا الموضوع إن المسيح هو كاهننا الأعظم، الذي وصفنا كهنوته هنا. إنه الآن جالس في السماء على يمين عرش الله العظيم، وهو يقوم بمهمته هناك في أقدس مكان، في خيمة العبادة الحقيقية التي نصبها الرب لا الإنسان. فمهمة كل كاهن أعلى هي أن يقرِّب لله التقدمات والذبائح، وعليه فمن الضروري أن يكون لكاهننا الأعلى المسيح ما يقدمه. فلو أن المسيح كان على هذه الأرض لما كانت الشريعة تسمح له بأن يكون كاهناً، إذ تحصر الشريعة وظيفة الكاهن في واحد يحق لنسله أن يقربوا التقدمات. وهؤلاء يقومون بخدمة ما يشكل رمزاً وظلاً للأمور التي في السماء. وهذا واضح من قول الله لموسى قبل أن يصنع خيمة العبادة إذ أوحى إليه قائلاً: انتبه! عليك أن تصنع الخيمة وما فيها وفقاً للمثال الذي أظهرته لك على الجبل. فكاهننا الأعلى إذاً قد حصل على وظيفة أفضل من وظيفة الكهنوت الأرضي، لأنه الوسيط الذي أعلن لنا قيام عهد جديد، أفضل من العهد السابق، ولأن هذا العهد الجديد ينطوي على وعود أفضل” (عبرانيين 1:8-6) (ترجمة كتاب الحياة).
الحق الذي يحرر:
ما أكثر الأوهام التي تستعبدنا. أما السيد المسيح فهو الحق الذي يحررنا من الخوف. ما عدنا نخاف من الله، لأن المسيح علَّمنا أن الله معنا. لم يعد الله بعيداً عنا لا نستطيع أن نصل إليه، لأن الله اقترب إلينا في المسيح، يمدُّ يده إلينا لأنه يريد أن يخلصنا من بُعدنا عنه. تتساءل: هل الله يحبُني؟ ويجيبك المسيح بالحق يحررك من الخوف: “نعم يُحبك الله، لأنه الآب الذي أنعم عليك بالتبني. وتسأل: هل سيغفر الله لي؟ ويؤكد لك المسيح الحق الذي هو: الله يغفر لك فعلاً، بدليل الفداء الذي دبره لك: لا تخف، أنك ابنٌ، والابن وارثٌ للبيت إلى الأبد. وتسأل: من هو الله؟ فيجيبك من رآني فقد رأى الآب.
يأسر المسيح القلب بحبه، والعقل بكماله، فتسلِّم له إرادتك، عندها يعمل الله فيك. مرة قال رجل أبرص للمسيح: “إن أردت تقدر أن تطهرني؟” (مرقس 40:1). كان واثقاً من قدرة المسيح، لكن ليس من محبته، فتحنن المسيح على الأبرص ولمسه. لم يكن مفروضاً أن المسيح يلمس الأبرص – لكنه لمسه، وقال له: أريد فأطهر” ونال الأبرص الشفاء، لأن المسيح في حبه أظهر له أن الله يحبه ويعتني به ويريد أن يشفيه.
إن السيد المسيح هو الحق الذي يحررنا من جهلنا بطبيعة الله، لأنه يعلن لنا الله في كمال قوته وكمال محبته وكمال طهارته، وكمال حكمته.
الحق محل الثقة:
إنه الحق بمعنى أنه محل الثقة. يمكن أن تضع ثقتك في المسيح وهو لا يمكن أن يخذلك. يقول عنه الإنجيل المقدس: “إن كنا غير أمناء فهو يبقى أميناً، لن يقدر أن ينكر نفسه” إن رداءتنا لا تجعله يغير صلاحه معنا. إن حبه باق دائماً، تستطيع دوماً أن تستند إليه في غير خوف، وأن تعتمد على كلمته في غير تردد.
نقرأ في الإنجيل المقدس أنه وقت إلقاء القبض على السيد المسيح كان يعلم أن تلاميذه سيتركونه ويهبون، فخرج يسوع وهو عالم بكل ما سيأتي عليه، وقال للذين جاءوا يلقون القبض عليه: “من تطلبون؟” أجابوه: “يسوع الناصري”. قال لهم: “أنا هو”وكان يهوذا مسلمه واقفاً معهم. فلما قال المسيح: “إني أنا هو، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض، ذلك أن للقداسة سلطاناً عظيماً. فعاد يسألهم: “من تطلبون؟” قالوا: “يسوع الناصري”. أجاب: :لقد قلت لكم إني أنا هو. فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون”. ويعلق يوحنا البشير على ذلك بقوله: “ليتمَّ القول الذي قاله: عن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحداً”. نعم، وعد أن لا يهلك أحد من الذين أعطاهم الآب له، فكان أن حماهم من الذين جاءوا يلقون القبض عليه. (يوحنا 4:18-9).
المسيح هو الصديق المخلص دائماً، ويقول لك: “اتكل عليّ ولن تخزى أبداً”
الحق الذي يغير الحياة:
ليس الحق الذي أعلنه المسيح حقائق للعقل فقط، لكنه حق يغير القلب والتصرف والحياة،فكل من يعرف الحق الذي أعلنه المسيح يتحرر من الخطية ومن الجهل ومن الفساد. فالمسيح الذي هو الحق، نموذج الصلاح ومثاله، فالحق الذي أعلنه المسيح لنا ينير القلب والحياة والإرادة والعواطف ويغير الإنسان كله. وكل من يفعل الحق يُقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة، لأنه إن قلنا إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق.
لقد قال المسيح الحق وعلم الحق وعمل الحق. الذي يسمع كلامه يسمع الحق، والذي يرى أعماله يرى الحق، ونحن الذين قبلنا المسيح يجب أن نعمل الحق كله، لا يكفي أن نؤمن به بعقولنا بل يجب أن نحيا به وفيه ومعه. الذي يعلمنا العلوم لا تهمنا حياته ولا تصرفاته، لكن الذي يعلمنا الأخلاق يجب أن تتفق كلماته مع أعماله. والسيد المسيح هو الحق، ونموذج الصلاح، وهو القدوة.
تقول إنك مؤمن تعرف المسيح الذي هو الحق – هذا شيء عظيم – لكن السؤال الذي نوجهه إليك هو: هل تعمل الحق؟ هل تحيا الحق؟ المسيح الحق للحياة والعمل والتصرف. فإذا فتحت قلبك للمسيح ليدخله فإنه سيسيطر على حياتك ويملأها بالغنى وبالرضا وبالخير.

23- الحياة
“أنا هو الطريق والحق والحياة” (يوحنا 6:14)
أنا هو الحياة، هذا قول صادق، ظهر صدقه عملياً عندما أقام السيد المسيح لعازر من بين الأموات، كما أقام غيره. وظهر صدق هذا الكلام عندما قام هو من بين الأموات ناقضاً أوجاع الموت، ظافراً على القبر، حتى يقول كل واحد من المؤمنين به: “أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟” (1كورنثوس 55:15). ويظهر صدق قول المسيح إنه الحياة كل يوم في الذين يحييهم، لأنه يقيم موتى الذنوب والخطايا ويعطيهم حياة جديدة. يقيمهم إلى حياة أبدية.
قال السيد المسيح: “أنا هو الطريق والحق والحياة”. إنه هو الحياة فعلاً، المسيح يعطي الحياة، والمسيح يضمن الحياة، والمسيح غاية الحياة.
المسيح يعطي الحياة:
هذا ما يوضحه مطلع إنجيل يوحنا: “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله، كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس”.
المسيح هو الحياة الذي يقول عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين: “إن الله به خلق الكون كله، فالمسيح هو التعبير المتألق عن مجد الله، والصورة المطابقة لجوهر الله، وكلمة قدرته، يحفظ كل ما يدور في الكون، وهو بعد ما طهرنا من خطايانا جلس في الأعالي على يمين الله العظيم، وهكذا أظهر أنه أعظم من الملائكة بما أن الاسم الذي ورثه متفوق على أسماء الملائكة جميعً” (عبرانيين 2:1-4) (ترجمة كتاب الحياة). ويقول عنه رسول المسيحية بولس: “فإنه فيه خلق الكل ما في السماوات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى. الكل به و له قد خلق” (كولوسي 16:1).
التقى صديقان فقال أوهما لصديقه: “الحياة رائعة حقاً، ها أنا أحرك يديّ وأجري بقدمي. هذا أفضل من ان يكون جزء مني حياً وجزء آخر ميتاً؟” فأجابه: “كان جسدي حياً لكن روحي كانت ميتة، والله بعث الحياة في روحي” فسأله صديقه: “وكيف كانت روحك ميتة؟” أجاب: “اكتشفت أن روحي كانت ميتة عندما قرأت الإنجيل المقدس ووجدت القول: “وأنتم كنتم في السابق أمواتاً بذنوبكم وخطاياكم التي كنتم تسلكون فيها حسب مسرى هذا العالم، تابعين رئيس قوات الهواء، ذلك الروح العامل الآن في أبناء العصيان، الذين بينهم نحن أيضاً كنا نسلك سابقاً في شهوات جسدنا عاملين ما يريده الجسد والأفكار، وكنا بالطبيعة أولاد الغضب كالآخرين أيضاً. أما الله وهو غني في الرحمة، فبسبب محبته العظيمة التي أحبنا بها، وإذ كنا نحن أيضاً أمواتاً بالذنوب، أحيانا مع المسيح. إنما بالنعمة أنتم مخلصون، وأقامنا معه وأجلسنا معه في الأماكن السماوية في المسيح يسوع، وذلك لكي يعرض في العصور القادمة غنى نعمته الفائق في لطفه علينا في المسيح يسوع. فإنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان، وهذا ليس منكم. إنه هبة من الله، لا على أساس الأعمال حتى لا يفتخر أحد. فإننا نحن عمل الله، ولقد خلقنا في المسيح يسوع لأعمال صالحة أعدَّها سلفاً لنسلك فيها” (أفسس 1:2-10) (ترجمة كتاب الحياة) ثم قال الصديق لصديقه: “لقد اكتشفت فعلاً أنني كنت ميتاً بخطاياي، ولكن المسيح بعث فيّ الحياة”.
عزيزي القارئ، نتذكر كلنا القصة التي قالها السيد المسيح عن الابن الذي ظلَّ بعيداً عن أبيه. وبعد أن اكتشف أن حياته بعيداً عن بيت أبه هوان وموت، رجع إلى الآب مرة أخرى ليعتذر. فقال عنه أبوه: “ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد” (لوقا 32:15) فالأب يربط بين الضلال والموت وبين العودة والحياة.
إن كنت بعيداً فأنت ميت بالذنوب والخطايا. ولكن عندما ترجع إلى الله تكتشف أنك وجدت الحياة الحقيقية فلاً. أدعوك لأن تفتح قلبك للمسيح لتجد الحياة.
المسيح يضمن الحياة:
نقرأ في سفر الرؤيا ترتيلة سبَّح بها الناس الله قائلين: “أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة، لأن خلقت كل الأشياء، وهي بإرادتك كائنة وخلقت” (11:4). كل شيء خلق به وكل شيء كائن مستمر به. لقد خلق الله الكون ولا زال يعتني به. والمسيح الذي يعطي الحياة الجديدة، يضمن باستمرار هذه الحياة الجديدة.
ليس البدء في الحياة الروحية هو الأهم. إن البدء مهم، لكن الاستمرار هو الأهم. إن نهر النيل العظيم لا يتوقف عن الجريان لان موارده غنية. هكذا حياتنا الإيمانية في شخص المسيح لا تتوقف عن الجريان والتقدم والاستمرار، لأن موارد المسيح الغنية تضمن لنا الاستمرار. يدخل المسيح حياتك ضيفاً، ثم يحتل المكان كله ويصير صاحب البيت، ضامن الحياة، الذي يعطيك القوة التي تجعلك تستمر. هل أنت متردد في أن تتوب لئلا تتوقف في الطريق ولا تستمر في حياة التقوى؟ أدعوك لأن تفتح قلبك للسيد المسيح، الذي يعطيك حياة جديدة، ويضمن لك استمرارها. ما أجمل ما قال نبي الله إرميا في التوراة: “مبارك الرجل الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله، فإنه يكون كشجرة مغروسة على مياه وعلى نهر تمد أصولها ولا ترى إذا جاء الحر ويكون ورقها أخضر وفي سنة القحط لا تخاف ولا تكف عن الإثمار” (إرميا 7:17 و8).
غاية الحياة:
المسيح ينشئ الحياة فينا ويضمنها لنا. نحن به نحيا ونتحرك ونوجد، وهو غايتنا في الحياة. قال الرسول بولس: “لي الحياة هي المسيح” (فيلبي 21:1). وقال أيضاً “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في” (غلاطية 20:2) فنحن بعد ما قبلنا المسيح في قلوبنا أنشأ الحياة فينا ويضمنها لنا، فنحيا له ونحيا من أجله. مكتوب عن السيد المسيح في الإنجيل: منه وبه وله كل الأشياء”. وهو الذي يستحق أن نخاطر بحياتنا من أجله، فنحيا للرب إن كنا نحيا، ونموت للرب عندما نموت. إن عشنا وإن متنا فللرب نحن. نعم من أجل المسيح نعيش ومن أجل خدمته نحيا. لقد قال لنا السيد المسيح : “إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها و لكن إن ماتت تأتي بثمر كثير” (يوحنا 24:12). هذا ما قاله السيد المسيح، ثم يقول: “من يحب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في العالم يحفظها إلى حياة أبدية” (يوحنا 25:12). وهذا معناه أن المسيح غاية حياتنا، نخاطر من اجله وفي سبيل خدمته، ونتعب في تحقيق مشيئته. فإن كنا نفرح فإننا نفرح فيه، وإن كنا نتألم فإننا نتألم من أجل خدمته وعمل إرادته.
هل المسيح غاية حياتك؟ هل تستطيع أن تقول ما قاله رسول المسيحية بولس: “فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في؟” إن المسيح منشئ الحياة، وضامن الحياة، وغاية الحياة. ونحن ندعوك لأن تجد في المسيح الحياة الأبدية والحياة الأفضل. الذي نال الحياة الجديدة في المسيح يحيا للمسيح. فقد قال رسول المسيحية بولس: “لأن ليس أحد منا يعيش لذاته، ولا أحد يموت لذاته، لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت، فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن. لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش: لكي يسود على الأحياء والأموات”. ثم يقول الرسول بولس: “لأن محبة المسيح تحصرنا، إذ نحن نحسب هذا أنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع، فالجميع إذاً ماتوا. وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام” (2كورنثوس 14:5 و15).
وأختم هذا التأمل بملاحظتين:
الملاحظة الأولى: “نعلم أننا نحن من الله، والعالم كله قد وضع في الشرير” فالعالم الذي نحيا فيه، عالم ملوَّث، ويجب أن نحافظ على أنفسنا غير ملوثين. حافظ على الثوب الأبيض الذي أعطاه المسيح لك. حافظ عليه دائم البياض. أيها المؤمنون تنبهوا واستيقظوا واحفظوا أنفسكم طاهرين.
وهناك ملاحظة ثانية: وصل رسالة محبة الله للعالم الذي وُضع في الشرير، فالله قد أعطاك الحياة لكي تُبلغ غيرك كي ينالون هذه الحياة. العالم وُضع في الشرير بمعنى أنه ارتمى في أحضان إبليس الخاطئ. وأنت مطالب أن توصل رسالة التحرير والخلاص للعالم الميت بالذنوب والخطايا. عليك أن تفتقد الجيران وأفراد عائلتك. إنهم يحتاجون إلى خلاص الرب. أحبَّهم ، صلِّ من أجلهم، واطلب من الله أن يعطيهم الحياة الجديدة. لا تنس حقيقة أكيدة هي “أننا نعلم أننا نحن من الله، والعالم كلَّه قد وضع في الشرير” (1يوحنا 19:5).

24- المحرِّر
“وتعرفون الحق والحق يحرركم” (يوحنا 32:8)
قال السيد المسيح: “وتعرفون الحق، والحق يحرركم” وقال أيضاً: “الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية” ثم قال: “فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً” (يوحنا 34:8-36).
تعرفون الحق والحق يحرركم. لو أنه لم يُحفظ لنا من كلام السيد المسيح غير هذه الآية، لعرفنا طبيعة رسالة المسيح الإلهية، ولعرفنا وسيلة تحقيق هدف رسالته. فرسالته الإلهية طبيعتها أن يحررنا، ووسيلة ذلك التحرير هي معرفة الحق.
لاحظ معي عظمة الهدف الذي من أجله جاء المسيح محرراً للناس. لقد رأى الناس من حوله عبيداً. الإنسان يستعبد الإنسان ، والجنس يستعبد الجنس. كان مواطنو المسيح عبيداً للسادة من رجال الدين اليهود، يأمرونهم وينهونهم ويضعون عليهم أعباء لم ترد مطلقاً في شريعة موسى، لكن أضافوا من عندياتهم. نعم، كان الناس من حول المسيح عبيداً لرجال الدين، الذين يضيفون عليهم أعباء لم ترد في شريعة الله. ورأى السيد المسيح مواطنيه عبيداً للولاة والحكام من رجال السياسة الرومان. ورأى المسيح رجال الدين من مواطنيه عبيداً لرجال السياسة، رغم أنهم يقولون بكبرياء: “نحن نسل إبراهيم، ولم نستعبد لأحد قط” (يوحنا 33:8). أما السادة من رجال الدين ومن رجال السياسة فكانوا عبيد شهواتهم وخطاياهم، ولذلك أعلن المسيح للجميع أنه جاء محرراً.
ليس بالعنف:
قال السيد المسيح: “وتعرفون الحق والحق يحرركم”. جاء المسيح بهدف تحرير الناس، ولكنه لم يستخدم القوة والعنف وسيلة لتحقيق هدفه. لقد استخدم كثيرون من لقادة القوة ليحرروا شعوبهم، فصاروا أبطالاً نحترمهم ونقدرهم. ولكل وطن من الأوطان أبطاله المجاهدون. ولكن المسيح لم يستعمل العنف والقوة لتحرير البشر. كان يقدر أن يستخدم القوة، لأنه صانع معجزات. تأمل سلطانه على الطبيعة.. سلطانه على المرض.. سلطانه على الأرواح الشريرة.. سلطانه على الموت. كان ممكن أن المسيح يستدعي اثني عشر جيشاً من الملائكة لينقذوا ما يصدره إليهم من أوامر، ولكنه لم يفعل ذلك. وكان يمكن أن المسيح يستخدم الذين أطعمهم، فهتفوا له قائلين: “أوصنا، مبارك الملك الآتي باسم الرب” (متى 9:21). فقد كان هؤلاء جميعاً مستعدين أن يحملوا السيوف ليناصروه لكنه لم يفعل ذلك.
هل تدرك لماذا لم يستخدم المسيح القوة وسيلة لتحقيق أهدافه؟؟ لو أنه استخدم القوة لنالت دولة واحدة حريتها، ولنالت تلك الدولة الواحدة حرية سياسية أو اقتصادية فقط، ولم يكن هذا كل ما يريد المسيح أن يحققه، ولذلك فإن المسيح لم يحاول أن يحرر شعبه بالقوة.
ليس بالشريعة:
لم يستخدم المسيح القوة لتحرير الناس، ولم يستخدم سنَّ القوانين والشرائع لتحرير الناس. لقد جاء موسى بالشريعة والقوانين. ويقول الإنجيل: “لأن الناموس بموسى أعطي أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا” (يوحنا 17:1). ويقول لنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين في الإنجيل إن شريعة موسى كلها كانت تدور حول نظام الكهنوت، الذي قام بنو لاوي بتأدية واجباته. إلا أن هذا النظام لم يوصل إلى الكمال أولئك الذين كانوا يعبدون الله على أساسه. لم توصلهم الشريعة إلى الكمال. وهكذا يتبين أن نظام الكهنوت القديم قد أُلغي لأنه عاجز وغير نافع. فالشريعة لم توصل الذين كانوا يعبدون الله بحسبها، ولو إلى أدنى درجات الكمال. ولذلك وضع أساساً جديداً للاقتراب إليه. مقدماً لنا رجاءً أفضل، بتعيين المسيح كاهناً أعلى.
لم يسُنَّ المسيح قوانين ليحرر الناس بها. ونحن نتساءل: لماذا لم يسنَّ المسيح قوانين ليحرر الناس؟ الإجابة هي: “مع أن توقيع الحاكم على وثيقة يستغرق لحظات، إلا أن البشر يحتاجون إلى أجيال ليستفيدوا من تنفيذ روح الوثيقة. مثلاً: يوقع حاكم وثيقة فيصير عبيد الأرض أحراراً، ولكن المتحررين الجدد قد يخرجون من حرية العمل في الأرض إلى عبودية الكسل ونقص الإنتاج. وقد ينتقلون من عبودية سيد إلى عبودية سيد أقسى، وقد يتحولون إلى عبيد للنزاع والحرب، فينتقلون ليحاربوا تحت راية جديدة. إن القتلة هم هم، لم يتغيروا في داخلهم إلى محبي سلام، لكنهم فقط غيروا انتماءهم في القتال.
مشكلة الإنسان لا تحلها القوانين. القانون يقدر أن يدين ويطالب بالعقاب. لكنه لا يستطيع أن يغير ما بداخل الإنسان. جاء المسيح محرراً للبشر، لا بالقوة والعنف، ولا بسن القوانين، ولا بالتحديث والحضارة، لكنه جاء ليحرر الناس بمعرفة الحق عنه. والمسيح هو الطريق والحق والحياة.
ليس بالحضارة:
لم يستخدم المسيح القوة أسلوباً للتحرير، ولم يستخدم سنَّ القوانين وسيلة للتحرير، كما أنه لم تكن وسيلته لتحرير الناس التحديث بالحضارة. لقد رأينا المدنيَّة والحضارة عبر التاريخ تنقل الإنسان من عبودية إلى عبودية أخرى. فالآلة اليوم تحدد لنا الكثير، حتى أننا رأينا الآلة التي قتلت صانعها أو صاحبها. والغنى الذي يملأ بيته بالكماليات يكتشف أنه عاجز أن يستغني عنها. لقد اشترى الكماليات بماله، وإذا بها تشتريه بتعوُّده عليها. كلما زادت الحضارة، صار الإنسان عبداً لآداب الملبس والطعام. وكلما زاد العلم زاد التطوير لأسلحة الحرب.
كان يمكن أن يحرر المسيح الناس بالقوة، فقد كان قوياً. وكان يمكن أن يحرر الناس بسن القوانين وهو المشرِّع. وكان يمكن أن يحرر الناس بالتحديث بالحضارة، ولكنه لم يفعل شيئاً من ذلك. لقد جاء المسيح المحرر، ليحرر الناس بمعرفة الحق.
تحرير بتغيير الحياة:
لقد جاء المسيح ليحرر الإنسان من الداخل ليصير الخارج حراً. لم تكن الحرية التي تكلم المسيح عنها حرية سياسية من نير الرومان، لكنها كانت حرية من عبودية الخطية والفساد والشهوات. لقد أدرك سامعو المسيح من رجال الدين ذلك، فقالوا له إنهم لم يُستعبدوا لأحد قط. ولكنهم ظنوا أن طريقهم للحرية هو انتماؤهم لإبراهيم خليل الله أب المؤمنين، وإذا بالمسيح يوضح لهم أن الذي يحررهم ليس هو انتماءهم لإبراهيم، لكن الذي يحررهم هو معرفة خلاصه. والخلاص الذي جاءنا به هو الخبر المفرح بالإنجيل المقدس. هذه هي معرفة الحق التي تحررنا. إن المسيح يحررنا بخبر مفرح جاء إلينا من السماء، وقال: “الذي من الله يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله”.
جاء المسيح لنا ليحررنا بمعرفة الحق عنه، وهو يدعوك أن تعرف حقه وتدرك خلاصه لتجد حريتك من عبودية الخطية والفساد والشهوة، فإن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد، أما الابن فيبقى إلى الأبد “إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً”.
تحدث المسيح عن أن غريباً قد استعبدنا، قال: “أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ذاك كان قتالا للناس من البدء و لم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب” (يوحنا 44:8).
يفتح المسيح عيوننا على إبليس، الغريب الذي استعبدنا، ويعلن لنا طريق الخلاص منه. يقول الرسول بولس إن إبليس اقتنص الناس لإرادته. في داخلنا شر. نقرأ في نبوة حزقيال الأصحاح الثامن أن الله أمر النبي أن يُحدث ثقباً في حائط. ومن ذلك الثقب الذي كسره في الحائط رأى غرفة داخلية عُلقت على حوائطها أصنام، ووقف أمامها الكهنة وقادة إسرائيل يبخرون لها، وقد أداروا ظهورهم لعبادة الرب.
ألا ترى أن في قلوبنا غرفاً مثل هذه الغرفة، وقد عُلقت عليها الأصنام التي نتعبد لها. فنحن نتعبد للشهوة أو المال أو حب العظمة أو العلوم، وندير ظهورنا لله. نعم، إن غريباً قد استعبدنا وسيطر علينا، ولكن المسيح يجيء إلينا بحقه ليقول لنا: “وتعرفون الحق والحق يحرركم”. هذا ينقذنا من خطيتنا وأنه قد دبر لنا وسيلة الخلاص، في الكفارة التي أعدَّها المسيح لنا على صليبه، وهو يدعونا أن نفتح قلوبنا للسيد المسيح المخلص العظيم الذي جاء ليحررنا من عبودية إبليس.
هناك تحرير من عبودية الخطية عندما نفتح قلوبنا لنقبل كلمة حق الإنجيل. أدعوك أن تتعرف على المسيح التعرُّف الخلاصي الذي يهبك الحرية من عبودية الخطية.

25- الكرمة
“أنا الكرمة الحقيقية” (يوحنا 1:15)
قال لنا السيد المسيح: “أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام”. ثم قال: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت في وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً. إن ثبتُّم فيَّ وثبت كلامي فيكم، تطلبون ما تريدون فيكون لكم”.
ألقى السيد المسيح هذه الكلمات وهو جالس مع تلاميذه في علية أورشليم ليلة الخميس الذي سبق جُمعة الصليب. تُرى ما الذي جعل السيد المسيح يقول هذا؟
هل رأى من نافذة العلية التي كان جالساً فيها مع تلاميذه كرمة نامية على الطريق، فدعا تلاميذه للثبوت فيه، كما يثبت الغصن في الكرمة، فتسري عصارة الكرمة إليه فيرتوي؟
أو هل كان المسيح يحادث تلاميذه وهو ينظر من بعيد إلى باب الهيكل، يرى عليه رسم الكرمة، فقال لتلاميذه: “أنا الكرمة الحقيقية” بمعنى: “إنني أنا الشخص الذي انتظرتموه مخلصاً وقد جئت إليكم؟.
أم ترى هل كان المسيح وهو يمسك العشاء الرباني يقول لتلاميذه إنه هو الذي سيُعصر على الصليب من أجل خلاصهم، إذ يُسفك دمه هو بدلاً عنهم فيعطيهم الحياة؟.
لعل هذه المعاني الثلاثة كانت موجودة في فكر المسيح وهو يقول: “أنا الكرمة الحقيقية” نعم إنه الأصل الذي فيه يجب أن يثبت المؤمنون ليجدوا حياتهم الأبدية. وهو الذي انتظره رجال الله ليأتي مخلصاً، وهو الذي قدَّم ذاته من أجلنا على الصليب ليوجد خلاص نفوسنا. أنا الكرمة الحقيقية .. ما أجمل هذا اللقب الذي أطلقه السيد المسيح على نفسه.
الكرمة الحقيقية:
كان أنبياء العهد القديم يشيرون إلى بني إسرائيل باعتبار أنهه كرمة الله. فيقول رجل الله آساف في المزمور 80 يخاطب الله: “كرمة من مصر نقلت. طردت أمماً وغرستها. هيأت قدامها فأصلت أصولها فملأت الأرض. يا إله الجنود أطلَّع من السماء وانظر وتعهد هذه الكرمة، والغرس الذي غرسته يمينك”. ويقول نبي الله إشعياء: “في ذلك اليوم غنوا للكرمة المُشتهاة. أنا الرب حارسها، أسقيها كل لحظة. لئلا يوقع بها أحرسها ليلاً ونهاراً” (إشعياء 2:27 و3). ولكن هذه الكرمة لم تصنع ثمراً جيداً فكان حكم الله على هذه الكرمة أن ينزع سياجها فيصير للرعي، ويهدم جدرانها فيصير للدوس، ويجعلها خراباً لا يمطر الغيم عليها مطراً. ويقول النبي إشعياء إن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل، فانتظر حقاً وإذا سفك دم، وانتظر عدلاً وإذا صراخ وظلم.
إذاً لم يكن بنو إسرائيل كرمة الله الحقيقية، لأنها صنعت عنباً دريئاً. فجاء المسيح، الكرمة الحقيقية، الذي بذل نفسه عن البشر، وتحقق فيه المثل الذي قاله هو عن نفسه: “إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير” (يوحنا 24:12). لقد أعطى السيد المسيح الثمر العظيم، في الذين أحبهم من البشر، وفي الخطاة الذين ردَّهم إلى الطريق السليم. تأمل كيف خلص امرأة ساقطة، هل\ي المرأة السامرية وجعلها كارزة بحق رسالته المفرحة. تأمل كيف غيَّر زكا العشار الظالم، فأخذ يعطي الفقراء بعد أن كان يسلبهم!
المسيح المتواضع:
كانت شجرة الكرم في بعض الأحيان تنمو على الأرض وتزحف عليها وتعطي ثمراً. وكلمة “متواضع” معناها يزحف على الأرض، أو كما نقول بلغتنا العامية: نفسه في التراب. وقد قال السيد المسيح عن نفسه إنه وديع ومتواضع القلب. وفي تواضعه نراه يغسل أرجل تلاميذه، فيقول الإنجيل عنه إنه “إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى، خلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها، ثم صبَّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ و يمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها”. فلما كان قد غسل أرجل تلاميذه سألهم: “أتفهمون ما قد صنعت بكم؟ أنتم تدعونني معلماً وسيداً وحسناً تقولون لأني أنا كذلك. فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً” (يوحنا 1:13-15).
هذا هو المسيح الكرمة، المتواضع الذي وهو غني افتقر لأجلنا ليعني حياتنا.. وزهو يدعوك لأن تكون غصناً مثمراً فيه، تأتي بثمر كثير ويدوم ثمرك، وتحيا حياة التواضع وخدمة الآخرين.
فيه المؤمنون الحقيقيون:
قال المسيح: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” في هذه الكلمات المباركة يقول المسيح عن نفسه إنه الكرمة، وإن المؤمنين ثابتون فيه. وثبوت المؤمنين في المسيح يضمن لهم أن يأتوا بثمر، فإن من شجرة العنب تـسري العصارة، وفيها الحياة إلى كل الأغصان. وبفضل هذه العصارة يأتي الغصن بالثمر الكثير. بدون الثبوت في الكرمة لا حياة، وبدو المسيح لا حياة ولا ثمر،إن لم نضع ثقتنا فيه فإن الغصن لا يقدر ان يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة. ويقول المسيح: “كذلك أنتم أيضاً إن لم تثبتوا فيّ”
هذه حقيقة مذهلة تبارك حياتنا، وهي أن المسيح يقول لكل واحد منا: إنك يجب أن تثبت فيَّ. هناك واحدة بين المسيح وبين المؤمن به، يشبهها هنا بأنه الكرمة وأن المؤمن غصن فيها وهناك تشبيهات أخرى مختلفة في الإنجيل المقدس تكشف لنا مدى هذه العلاقة العميقة بين المؤمن وبين المسيح. فهناك التشبيه الذي يقول إننا أعضاء جسد، وإن المسيح هو الرأس، وإن الرأس هو الذي يوجه الجسد كله المكوَّن من أعضاء كثيرة. ويقول رسول المسيحية بولس: “فإنه كما في جسد واحد لنا أعضاء كثيرة ولكن ليس جميع الأعضاء لها عمل واحد. هكذا نحن الكثيرين، جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضاً لبعض كل واحد للآخر” (رومية 4:12 و5).
ويشبهنا الكتاب المقدس كجماعة مؤمنين بأننا أحجار في بناء، نقيم هيكلاً مقدساً للرب، فالمؤمنون أحجار مقدسة تكون مسكناً للمسيح. ويقول لنا رسول المسيحية بولس: “فلستم إذاً بعد غرباء ونُزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله، مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية، الذي فيه كل البناء مركبا معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب، الذي فيه أنتم أيضاً مبنيون معاً مسكناً لله في الروح” (أفسس 19:2-22). إذاً نحن كمؤمنين بالمسيح حجارة حية، نبني هيكلاً يسكن المسيح فيه.
وهناك تشبيه آخر جميل لهذه الوحدة بين المؤمنين وبين المسيح، هي انهم مرتبطون به برباط عميق هو رباط زواج مقدس. فيقول رسول المسيحية بولس: “فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه كما الرب أيضاً للكنيسة، لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه” (أفسس 29:5). يا لهذه الأوصاف المذهلة الجميلة للوحدة التي بين المؤمنين وبين السيد المسيح، فعندما يقول المسيح لنا: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير” يؤكد لنا هذا الارتباط العميق بيننا وبينه.
يقول لنا السيد المسيح: ها أنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي” (رؤيا 20:3). إن المسيح يريد أن يدخل قلبك ليشبعك، لترتوي أنت بكل بركة يريد أن يمنحها لك. فإن فتحت قلبك له سيدخل قلبك ويغير حياتك، فتجد نفسك ثابتاً فيه ثبوت الغصن في الكرمة.
لا تقدر أن تكون مؤمناً نافعاً إلا إذا كنت ثابتاً بالسيد المسيح، تتبعه في محبة وطاعة، على أن تكون مستعداً أن تمشي كل الطريق معه. إن الثبوت في السيد المسيح معناه الاتحاد به، لتكون حياتك من حياته، باعتبار أنه الرأس وأنك عضو في جسده، وكما يكون الجيش متحداً بالقائد في الطاعة والثقة، هكذا يجب أن يثبت كل مؤمن بالمسيح في شخص المسيح. هذا الثبوت يقول عنه رسول المسيحية بولس: “لي الحياة هي المسيح” (فيلبي 21:1). ويقول أيضاً: “فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” (غلاطية 20:2). وعندما نحيا في المسيح نجد الحياة، ونجد الثمر ونجد الطمان، كما تقول التوراة وهي تصف بني إسرائيل أيام نجاح مملكة سليمان: “كانوا في طمان كل واحد تحت كرمته” (1ملوك 25:4). نعم عند المسيح نجد الثمر، وتحت ظله نشتهي ان نجلس، لأنه ثمرته حلوة لنا، فهو الكرمة الحقيقية.
إننا لا نستطيع أن نفصل بين الكرمة وبين الأغصان. هي وحدة واحدة، والمسيح ينقي الغصن حتى يأتي بثمر أكثر.
قال جاستن مارتر: “تنمو الكرمة مهما قطعت فروعها، وتنمو الكنيسة مهما أصابها الاضطهاد”. إن كل قوة ضد جسد المسيح، الذي هو جماعة المؤمنين، لا بد أن تفشل. لقد احتملت الكنيسة الاضطهاد والألم، وخرجت منه في كل مرة غالبة، لأن عصير الكرمة يسري في كل غصن من أغصانها.
هل أنت ثابت في المسيح؟ هل تسري عصارته في حياتك؟
الغصن غير المثمر يحرقونه:
الغصن الثابت في الكرمة يأتي بثمر..
والغصن الذي لا يثمر ينزعونه ويحرقونه.
قال المسيح: “كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه.. إن كان أحد لا يثبت فيَّ يطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق” (يوحنا 2:15 و6).
والمعروف أن غصن الكرمة اليابس لا فائدة فيه.. إنه لا يصلح لعمل محراث، ولا يصلح لعمل سقف. وظيفته الوحيدة أن يثبت في الكرمة ويثمر، فإذا لم يعمل وظيفته الوحيدة فإنهم ينزعونه، ويطرحونه في الخارج حتى يجف، ثم يجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق.
ويسأل النبي حزقيال عن غصن الكرم: “هل يؤخذ منه عود لاصطناع عمل ما؟ أو يأخذون منه وتداً ليعلق عليه إناء ماء؟ هوذا يطرح أكلاً للنار. هوذا حين كان صحيحاً لم يكن يصلح لعمل ما فكم بالحري لا يصلح بعد لعمل إذا أكلته النار فاحترق؟!” (حزقيال 3:15-5).
من هذا نرى أن كل عضو غير مثمر في كنيسة المسيح يستحق الحريق.
وهذا كلام خطير، يجعل كل عضو عاطل في الكنيسة يخاف. ماذا تعمل لخدمة المسيح؟ هل علمت جارك الذي لا يعرف القراءة والكتابة؟ هل اشتركت في تدريس الكتاب المقدس في الكنيسة؟ هل حاولت أن تساعد القسيس في أي خدمة؟ هل ربحت أهل بيتك للمسيح؟ هل تضحي من أجل جارك المحتاج؟
انتبه! كل غصن عاطل مصيره الحريق!
الكرمة تحتمل التنقية:
لا نستطيع أن نفصل بين الكرمة وبين الأغصان؟.. هي وحدة واحدة، والمسيح ينقي الغصن المثمر حتى يأتي بثمر أكثر..
وقد احتملت الكنيسة الاضطهاد والألم، وخرجت منه في كل مرة غالبة.. وصل الاضطهاد إلى قطع كل الأغصان تقريباً بالموت.. لكن الكرمة نمت وكبرت من جديد، لأن أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة!
قال جستن مارتر: “تنمو الكرمة مهما قطعت فروعها، وتنمو الكنيسة مهما أصابها الاضطهاد!”.
كل قوة ضد جسد المسيح، الذي هو الكنيسة، تفشل!
وما أجمل ما قال القديس باسيليوس: “الكرمة تمد ذراعيها على خشب كربال العنب، تحمل صورة المسيح وهو ممدود الذراعين على خشبة العار والهوان”.
هو الكرمة الحقيقية!

26- الرب
“قال الرب لربي: اجلس عن يميني،
حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك” (مزمور 1:110).
في أول عظة مسيحية أُلقيت بعد قيامة المسيح من بين الأموات بخمسين يوماً، وقف رسول المسيحية بطرس وسط اليهود، على بعد أمتار قليلة من قبر المسيح الفارغ الذي قام منه، وقال: “يسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعاً شهود لذلك. وإذ ارتفع بيمين الله، واخذ موعد الروح القدس من الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه. لأن داود لم يصعد إلى السماوات، وهو نفسه يقول: قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً” (أعمال34:2-36).
لقد أعلن بطرس في أول عظة مسيحية أن المسيح هو الرب. وقد سبق ذلك ما أ‘لنه السيد المسيح لقادة اليهود من الفريسيين، عندما سألهم: “ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من هو؟” فأجابوه: “ابن داود”. فعاد المسيح يسألهم: “فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: “قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه؟” فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة” (متى 41:22-45).
وفي هذا السؤال الذي وجهه المسيح لشيوخ اليهود كان يقتبس كلمات المزمور المئة والعاشر الذي يقول: “قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك”.
وقد استخدم رسول المسيحية بولس لقب “الرب” عن المسيح مئة وثلاثين مرة، منها قوله “لكن لنا اله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له ورب واحد، يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به” (1كورنثوس 6:8).
الرب هو المعلم:
لقب “الرب” هو اللقب الذي يطلقه التلميذ على معلمه، وهو اللقب الذي يطلقه الخادم على سيده، وهو اللقب الذي يطلقه المواطن على ملكه، وهو اللقب الذي يطلقه العابد على إلهه. ونحن تلاميذ المسيح، وهو ربنا بمعنى أنه معلمنا. ونحن خدام للمسيح وهو ربنا بمعنى أنه سيدنا. ونحن أعضاء ملكوت المسيح وهو ربنا بمعنى أنه ملكنا. ونحن عابدون للمسيح، فهو ربنا بمعنى أنه إلهنا. هذه هي المعاني الأربعة لكلمة “رب” وكلها تصدق على المسيح.
المسيح رب بمعنى انه معلم. ففي ذات يوم كان يوحنا المعمدان واقفاً مع اثنين من تلاميذه، عندما رأى المسيح ماشياً ، فأشار إليه وقال: “هوذا حمل الله” ، ولما سمع تلميذا يوحنا هذا القول ، تركا أستاذهما المعمدان وتبعا المسيح . فالتفت المسيح إليهما وسأل: “ماذا تطلبان؟” فقالا له: “ربي (الذي تفسيره يا معلم) أين تمكث؟” فأجابهما المسيح: “تعاليا وانظرا”. فأتيا ونظرا أين كان يمكث، ومكثا عنده ذلك اليوم. أما هذان التلميذان اللذان أطلقا على المسيح لقب “ربي” فهما أندراوس ويوحنا، أطلقاه عليه بمعنى أنه معلمهما (يوحنا 35:1-42).
ونقرأ أن السيد المسيح زار بيت مرثا ومريم وأخيهما لعازر. وكانت مريم تجلس عند قدمي المسيح تسمع كلامه، بينما كانت مرثا مرتبكة في تجهيز الطعام، فجاءت مرثا إلى المسيح وقالت: “يا رب، أما تبالي أن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ قُل لها أن تعينني”. فأجابها المسيح: “مرثا، أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لا ينزع منها”. لقد جلست مريم عند قدمي المسيح تستوعب كلامه كمعلم يعلم تعاليم ملكوت الله، أما مرثا فقد نادته: يا رب، يا معلم (لوقا 38:10-42).
وعندما تحدث المسيح عن أنه خبز الحياة، وأن الذي يأكله يحيا به، لم يستطع السامعون أن يدركوا معنى هذا الكلام الروحي. فقال المسيح لهم: “الروح هو الذي يحي، أما الجسد فلا يفيد شيئاً. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة” ولكنهم لم يستطيعوا أن يفهموا، حتى أن بعض المؤمنين بالمسيح بدأوا يرتدُّون عنه.فقال المسيح للاثني عشر تلميذاً: “فأجابه سمعان بطرس يا رب إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي” (يوحنا 68:6).
في هذه الكلمات يوجه بطرس للسيد المسيح لقب ربي بمعنى أنه المعلم.
وعندما كسر المسيح وصية السبت اليهودي وشفى مرضى في يوم السبت، تذمَّر اليهود عليه. فقال لهم المسيح: “ابن الإنسان هو ربُّ السبت أيضاً” (مرقس 28:2) لأن تعليم المسيح السامي كان فوق الفروض والطقوس، فتعليمه روح وحياة. المسيح هو الرب بمعنى أنه المعلم الذي علَّمنا عن حب الله، والذي علمنا أن الله يفتش عن الخاطئ الضال الواحد حتى يجده.
الرب هو السيد:
لقب المسيح الرب، وهو اللقب الذي يطلقه الخادم على سيده. عندما ظهر السيد المسيح لشاول الطرسوسي في الطريق إلى دمشق، وأسقطه على الأرض بنور قوي، سأل شاول: “يا رب ماذا تريد أن أفعل؟” (أعمال 6:9). هو الرب السيد، الذي يأمر ونحن نطيع أمره. وعندما ذهبت مريم العذراء القديسة مريم لتزور أليصابات أم يوحنا المعمدان، وكانت العذراء وقتها حاملاً بالسيد المسيح، قالت أليصابات أم المعمدان “من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ؟” (لوقا 43:1).
ولقد قدَّمت العذراء القديسة مريم نصيحة رائعة للخدم في قانا الجليل، عندما قالت لهم: “مهما قال لكم فافعلوه” يوحنا 5:2). ذلك أننا إن أطعناه يُشبع حياتنا بالرضا، ويملأ كل احتياجاتنا بالرضا، ويملأ كل احتياجاتنا بحسب غناه في المجد.
السيد المسيح لقبه رب لأنه السيد ونحن نخدمه. ونستطيع أن نخدمه بقدر ما يمنحنا روح الله من قوة. فليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس. ونحن ندعوك أن تقبل المسيح معلماً لك، وأن تقبله سيداً لحياتك لتطيعه، تستمع إلى ما يقول وتطيع ما يأمر به.
الرب هو الملك:
هذا اللقب كان يطلقه المواطن على ملكه. وكانت الامبراطورية الرومانية قد فرضت على كل مستعمراتها عبادة الإمبراطور الروماني، إلى جانب آلهة الوثن القَبَلية والمحلية. فكان لكل مواطن في الإمبراطورية الرومانية حقُّ عبادة صنمه ووثنه، على أن يقدم الولاء والعبادة للقيصر الروماني، ولذلك كان لقب القيصر “الرب”. ورفض المسيحيون أن يقدموا العبادة للقيصر، لأنهم لا يعبدون إلا رباً واحداً، ولا يقبلون إلا ملكاً واحداً، الذي قيل عنه في الإنجيل المقدس إنه “ملك الملوك ورب الأرباب” السيد المسيح، فأوقع الرومان الاضطهاد بالمسيحيين بسبب إيمانهم أن هناك رباً واحداً لا غيره يستحق السجود والعبادة. ولقد صدق ظن المسيحيين في أن الملك الوحيد هو السيد المسيح، فقد زالت دولة الرومان وانتهت، وبدأ ملكوت الله بقيادة السيد المسيح حياً فعالاً في أرضنا. ونقرأ في سفر الرؤيا خبر حرب قام بها ملوك العالم ضد المسيحيين، ويصف حالة المسيحيين بقوله إن الإمبراطورية الرومانية صارت سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء المسيح.ثم يمضي فيقول إن ملوك الأرض سيحاربون الحمل، والحمل يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون (رؤيا 14:17). لقد حاربت قوات روما الكنيسة، ولكن المسيح نصر الكنيسة فغلبت أعداءها. ويقدم لنا الأصحاح التاسع عشر من سفر الرؤيا صورة لهذا الاتنصار فيقول: “ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله. والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزاً أبيض ونقياً، ومن فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم وهو سيرعاهم بعصا من حديد وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شيء. وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك و رب الأرباب” (رؤيا 11:19-16).
المسيح ملك، ونحن نلقبه الرب لأنه ملك ملكوت السماوات، الذي نقدم له كل فروض التكريم لأنه ملكنا.
الرب هو الله:
قال رسول المسيحية بولس: “الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها. لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك إن الله أقامه من الأموات خلصت. لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص.لأن الكتاب يقول كل من يؤمن به لا يخزى” (رومية 8:10-11).
ويحكي لنا الإنجيل المقدس أنه بعد قيامة المسيح من بين الأموات بثمانية أيام، كان تلاميذه موجودين معاً، ومعهم توما. فجاء المسيح والأبواب مغلَّقة، ووقف في الوسط وقال: “سلام لكم”. ثم قال لتلميذه توما: “هات أصبعك إلى هنا وأبصر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا”. فقال توما للمسيح: “ربي وإلهي” (يوحنا 28:20). فأجابه المسيح: “لأنك رأيتني يا توما آمنت؟ طوبى للذين آمنوا ولم يروا”. لقد كانت رؤية المسيح المنتصر على الموت، والذي قام ووهب تلاميذه السلام، دافعاً لتوما أن يطلق لقب الرب على المسيح، لأنه الإله الذي يعبده.
ويحدثنا الإنجيل المقدس عن يوم عظيم قادم، فيه نرى المسيح الذي رفعه الله وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (فيلبي 11:2). فهذا الذي به كل شيء كان، وبغيره لم يكن شيئاً مما كان، منه وبه وله كل الأشياء، وسوف تجثو لاسمه كل ركبة.
أدعوك أن تتعرف على السيد المسيح الرب، الذي هو المعلم العظيم، والسيد العظيم، والملك العظيم، والإله العظيم، فتجد لنفسك عنده أعظم تعليم، وأعظم رعاية، وأعظم هُدى، وأعظم أبدية.

27- رئيس الرعاة
“ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون
إكليل المجد الذي لا يبلى” (1بطرس 4:5).
المسيح رئيس الرعاة، أما الرعاة فهم قسوس الكنائس الذين يرعون رعية الله. كان المسيح قد قال لبطرس ثلاث مرات: “ارع غنمي.. ارع خرافي.. ارع غنمي” (يوحنا 21) واستدعى الرسول بولس قسوس كنيسة أفسس وقال لهم: “احترزوا إذاً لأنفسكم، ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه” (أعمال 28:20). ومعنى قول السيد المسيح لبطرس “ارع غنمي” أن يقوم بطرس برعاية قطيع المسيح، فيرعى الناس بتعليمه ويشرف على حياتهم الروحية، ويعتني بهم بنشاط. فإن قام قسوس الكنائس برعاية الكنيسة بالروح المسيحية التي يطلبها الإنجيل منهم، يعطيهم رئيس الرعاة العظيم إكليل المجد الذي لا يفنى عند مجيئه ثانية، كما قال الرسول بطرس في الرسالة الأولى من الإنجيل المقدس والأصحاح الخامس: “هذه وصيتي إلى الشيوخ الذين بينكم بصفتي شيخاً رفيقاً لهم، وشاهداً لآلام المسيح، وشريكاً في المجد الذي سيظهر. ارعوا قطيع الله الذي بينكم كحراس له، لا بدافع الواجب بل بدافع التطوُّع ، كما يريد الله، ولا رغبة في الربح الدنيء بل رغبة في الخدمة بنشاط” ثم مضى ليقول: “لا تتسلطوا على القطيع الذي وضعه الله أمانة بين أيديكم، بل كونوا قدوة لهم. وعندما يظهر رئي الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى”.
الرئيس هو القدوة:
لُقِّب المسيح بأنه رئيس الرعاة، لأنه رئيس وقائد ونموذج لكل القسوس الذين وكل إليهم الاعتناء برعيته على الأرض. ونحن نعلم أن الله وكَّل كلُّ مسئول أن يرعى العمل الذي يقوم به، فالأب راع لبيته، وصاحب العمل راع لموظفيه، والحاكم مسئول عن رعيته. والمسيح رئيس الرعاة، بمعنى أنه خير نموذج لكل من يحب أن يتعلم منه، ويسير في مثاله. لقد كان رفيقاً بالرعية، وضرب لنا مثل الراعي الصالح الذي ترك التسعة والتسعين في الحظيرة وخرج يفتش عن خروف واحد ضال إلى أن وجده، لأنه كان يهتم بالواحد كما يهتم بالمئة. وعلى كل المسئولين والرعاة أن يخدموا تحت إرشاد المسيح الحكيم مقتدين بمثاله. ولا شك أن كل راع سوف يقدم حساباً عمَّا يفعل لرئيس الرعاة العظيم، فهو الديان الذي سيحاكم البشر، ويجازي كل واحد بحسب عمله.
يرعاك فترعى غيرك:
ندعوك أن تتعرف على المسيح الراعي الصلح الذي يرعى نفسك ويعطيك احتياجك، فتستطيع أن تقول بالشكر: ” الرب راعي فلا يعوزني شيء. في مراع خضر يربضني إلى مياه الراحة يوردني. يرد نفسي يهديني إلى سبل البر” (مزمور 23). وعندما يحقق لك المسيح الرعاية تستطيع أن ترعى غيرك من الذين وضع الله عليك مسئولية رعايتهم. فإن قمت بواجبك كما ينبغي، فإن المسيح سيجيء إلى أرضنا ثانية ليجازي كل واحد حسب عمله، وسيعطي إكليل مجد لكل من قام بمسئوليته كما يجب.
هناك إكليل الجمال، وهناك إكليل البر، وهناك إكليل الحياة.
كان الذين يلعبون الألعاب الأوليمبية ينالون إكليل من ورود تذبل، ولكن المسيح يعطي للذين يتبعونه ويحبونه ويقومون بواجبهم كما ينبغي إكليل مجد لا يبلى، ليس من ورود تذبل، لكن من مجد وكرامة لا تنتهي.
ويقدم لنا الرسول بولس الفرق بين الأكاليل التي ينالها المتبارون في الألعاب الرياضية والأكاليل التي يعطيها الرب للذين يقومون بمسئوليتهم، فيقول: “أما تعلمون أن المتبارين يركضون جميعاً في الميدان، ولكن واحداً فقط يفوز بالجائزة؟ هكذا اركضوا أنتم حتى تفوزوا” (والله لا يعطي إكليلاً واحداً، لكنه يعطي أكاليل لكل من يجاهدون) ثم يمضي الرسول بولس فيقول: “وكل متبار يفرض على نفسه تدريباً صارماً في شتى المجالات. فهؤلاء المتبارون يفعلون ذلك ليفوزوا بإكليل فانٍ. وأما نحن فنفوز بإكليل غير فان”. وهذا يعني أيها القارئ أننا يجب أن نضبط أنفسنا في كل شيء، وأن نجاهد روحياً لنُرضي الله الذي جنَّدنا. ثم يمضي الرسول بولس فيقول: “إذاً أنا أركض لا كمَن لا هدف له، وهكذا ألاكم أيضاً، لا كمن يلطم الهواء، بل أسدد اللكمات إلى جسدي وأسوقه أسيراً، مخافة أن يتبيَّن أني غير مؤهل للمباراة بعدما دعوت الآخرين إليها” (1كورنثوس 24:9-27).
والرسول بولس هنا يطالب الرعاة جميعاً، وكل مسئول في موقعه أن ينتبه إلى مسئوليته ليرضي الله، فكثيرون من المسئولين يعيشون حسب الجسد، ويطيعون أجسادهم المائتة وشهواتهم. ولكن الواجب أن الإنسان منا يقمع جسده ويستعبده، حتى لا يسود الجسد عليه بشهواته، بل يسود الإنسان منا على شهوات الجسد، فيمنحه الله نعمة الانتصار.
أيها الأب، يا صاحب العمل، يا حكام بلادنا، ارعوا بأمانة الرعية التي وضع الله عليكم مسئولية رعايتها – حتى متى ظهر المسيح الديان العادل يجازيكم خير الجزاء.