Titles 1-10
ألقاب المسيح
بقلم
الدكتور القس منيس عبد النور
هذا الكتاب
المسيحية هي المسيح. والمسيح حي في كل من يؤمن به ويقبله ويعترف به مخلِّصاً وفادياً، وشعاره: “فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ”.
وفي تعرُّفنا على المسيح ندرس حياته، وندرس ألقابه. وفي هذا الكتاب يقدم المؤلف دراسة لأربعين لقباً للمسيح، بعضها أطلقها المسيح على نفسه، وبعضها أطلقها آخرون عليه. وقد حاول المؤلف أن يشرح كل لقب منها، مع تطبيق المعاني على حياتنا اليومية.
وهناك ألقاب أخرى كثيرة للمسيح لم يتطرق إليها المؤلف، منها “صاحب السلطان في السماء وعلى الأرض” و”المصلوب” و”المُقام”، ومنها الألقاب التي أطلقها عليه النبي إشعياء: “ويُدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام” (إشعياء 6:9). وغير ذلك من الألقاب.
ونرجو للقارئ كل بركة في حياته وهو يتعرَّف على المسيح المخلِّص الحي.
1- يسوع
«فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع، لأنه
يخلِّص شعبه من خطاياهم» (متى 1: 21)
اتَّخذ المسيحيون الأوَّلون رسم السمكة شعاراً لهم، وكانوا يستخدمونه ليتعارفوا بعضهم على بعض. فإذا التقى مسيحيٌ بشخص آخر، وأراد أن يعرف إن كان هذا الآخر مسيحياً، كان يرسم سمكة على الأرض. فإذا عرفها الشخص الآخر، أدرك كلاهما أنهما مسيحيان. أما إذا لم يعرفها فهذا يعني أن الآخر غير مسيحي. وقد اختار المسيحيون الأوَّلون السمكة شعاراً لهم لأن كلمة سمكة في اللغة اليونانية هي «إخثوس» وتتكوَّن من خمسة حروف، اتفقوا على أن كل حرف منها هو أول حرف في كلمة، وتكوِّن الكلمات الخمس جملة هي: «يسوع المسيح ابن الله مخلِّص».
وفي هذه الجملة نجد أربعة ألقاب للسيد المسيح.
يسوع المخلِّص:
لما حبلت العذراء مريم من الروح القدس وهي مخطوبة ليوسف النجار، فكر يوسف في ما يجب أن يفعله، حتى ظهر له ملاك الرب (ولعله جبرائيل) في حلم وقاله له: «يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابناً، وتدعو اسمه يسوع، لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم» (متى 1: 20، 21) ومعنى كلمة «يسوع» الله يخلِّص. وقد ورد ستمائة مرة في الإنجيل المقدس. وكان اسماً مشهوراً بين اليهود، أطلقوه على أولادهم أملاً في أن يكون أحدهم هو المخلِّص الذي ينقذهم. لكن بعد أن اتخذ السيد المسيح هذا الاسم، توقف اليهود عن استعماله، لأنه اسم عدوهم. أما المسيحيون فقد توقفوا عن استعماله لأنه صار عندهم مقدساً. حتى أن هناك شخصاً كان يُسمَّى يسوع، أطلق عليه المسيحيون الأولون لقب «يسطس» (كولوسي 4: 11) حتى لا يطلقوا اسم مخلصهم العظيم على أي إنسان.
وكان الناس قديماً يطلقون على بعضهم ألقاباً ذات معانٍ، وكان اللقب يحمل صفة الشخص. فقد لُقب يوحنا بالمعمدان لأنه كان يعمد، وكان لقب سمعان تلميذ المسيح «سمعان الغيور» لأنه من حزب الغيورين السياسي، أما سمعان الآخر فلقد أطلق عليه السيد المسيح اسم «بطرس» بمعنى «صخرة» لأن الكنيسة ستُبنى على الإعلان الذي يعلنه، وعلى الإنجيل الذي سيعمل على نشره. واسم يسوع معناه «الله يخلِّص» وقال أحد المؤمنين: «اسم يسوع أحبُّ اسمٍ لقلبي، لأنه عزاء للخاطئ الذي يدعوه، فيقدم له الغفران. وهو اسم فوق كل اسمٍ لأنه من البدء، وقد أُعطي للبشر مخلصاً. اشتهاه وانتظره آباء الإيمان، وتنبأ عنه أنبياء التوراة، وأعلنه الله لنا في عهد النعمة. ونشره الرسل القديسون في الأرض، وشهد له الشهداء حتى دفعوا حياتهم ثمناً لإيمانهم، وفرح به المؤمنون في العالم كله».
ابن الله المخلِّص المنتظر:
قال الملاك للعذراء وهو يبشرها بميلاد المسيح: «ها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً، وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية» (لوقا 1: 31-33). فهو الذي سيخلص الشعب من العبودية والذل، ويعيد لهم الحرية والخلاص.
***************************
والاسم يسوع هو نفسه اسم يشوع وهوشع في اللغة العبرانية، وله نفس المعنى. فيشوع (تلميذ موسى) أكمل عمل موسى. موسى أنقذ شعبه من المذلة، ويشوع أدخل شعبه إلى الراحة. وهو ما حدث روحياً، فقد أُعطيت الشريعة لموسى، وهي تشبه مسطرة القياس، إذا وقف إنسان أمامها تُظهِر أنه ناقص وأعوج! وجاءنا المسيح بالنعمة التي تُدخلنا أرض الراحة، لأنها تؤكد للخاطئ الأعوج الناقص أن الله سيُعيد تقويمه ويصلح من أمره بأن يعيد خلقه. وهذا ما يفعله المسيح معنا، فإنه إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً (2كورنثوس 5: 17). ويسوع المسيح هو الطريق والحق والحياة، الذي يُدخل كل مؤمن بخلاصه إلى الراحة والمجد بعد أن يخلصه من خطاياه.
************************
وقد عرف تلاميذ المسيح أن يسوع هو المخلِّص المنتظَر، فقد وجد تلميذ المسيح فيلبس صديقه نثنائيل فقال له: «وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء: يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة». فسأله نثنائيل متعجباً: «أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟» فأجاب فيلبس: «تعال وانظر». فسارا معاً إلى حيث كان يسوع. ورأى يسوع نثنائيل مقبلاً إليه قال عنه: «هوذا إسرائيلي حقاً لا غش فيه» فقال له نثنائيل: «من أين تعرفني؟» قال له المسيح: «قبل أن دعاك فيلبس، وأنت تحت التينة، رأيتك». فقال نثنائيل: «يا معلم، أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل» (يوحنا 1: 43-49).. وفي إعلان نثنائيل أوضح إيمانه بأن السيد المسيح ابن الله، وهو المخلص الذي طالما انتظروه ليخلصهم من خطاياهم.
وقُرب نهاية خدمة المسيح على الأرض سأل تلاميذه عن من يقول الناس إنه هو، فأجابوه بإجابات مختلفة، ثم وجَّه السؤال إليهم، فقال له بطرس: «أنت هو المسيح ابن الله الحي» (متى 16 :16). بمعنى أنك أنت المخلص الذي طالما انتظرناه، وها قد جئت إلينا لتخلصنا. ابن الله بمعنى المخلص المنتظر.
هذا هو اللقب العزيز على قلب المسيحيين جميعاً، أن المسيح ابن الله، الابن الوحيد الذي كل من يراه يرى الآب. وهو المخلص المنتظر، وهو صاحب السلطان. ندعوك أن تفتح قلبك له وتؤمن به.
المخلِّص من الخطية:
«تدعو اسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم» فإن الخطية حملٌ ثقيل يكسر الظهر، وهي أسرٌ وذلٌ واستعباد. وقد جاء المسيح ليخلصنا منها فهو الذي قال: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (متى 11: 28). وقال: «إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً» (يوحنا 8: 36).
وجاء المسيح ليخلِّصنا من أجرة الخطية التي هي موت. فإنه «بإنسانٍ واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع» (رومية 5: 12). وجاء المسيح لينقذنا من الموت، حتى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النعمة في البر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا. لقد فصلتنا الخطية عن الله وأبعدتنا عنه، كما يقول نبي التوراة إشعياء: «آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع» (إشعياء 59: 2) ويخاطب النبي إشعياء الله فيقول: «ليس من يدعو باسمك أو ينتبه ليتمسَّك بك، لأنك حجبت وجهك عنا، وأدَّبتنا بسبب آثامنا» (64: 7). وجاء يسوع مخلصاً ليُرجع العلاقة بيننا وبين الله، لأنه جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك (لو 19: 10). وبعد أن يخلصنا نقدر أن نقول مع رسول المسيحية بولس: «إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح» (رومية 5: 1).
كيف حالك مع الله؟ هل أنت في خصام معه؟ هل أنت عبدٌ للخطية؟ جاء المسيح من السماء ليخلصك، وهذا معنى اسم يسوع المخلص. وليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسمٌ آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص (أعمال 4: 12).
ابدأ الآن بداية جديدة مع الله، افتح قلبك له واطلب خلاص المسيح، والله يريد الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1تيموثاوس 2: 4). اطلب خلاص المسيح الآن، ومن يُقبل إليه لا يخرجه خارجاً (يوحنا 6: 37).
2- المسيح
«أنت هو المسيح» (متى 16: 6)
معنى لقب «المسيح» أنه الممسوح من الله بقوة الروح القدس ليقدِّم الخلاص للبشر، وهو ترجمة كلمة عبرية تعني المسيا، أي المخلص المنتظر. وعندما سأل المسيح تلاميذه: «من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟» أجابوه: «قومٌ يقولون إنك يوحنا المعمدان، وآخرون يقولون إنك إيليا، وآخرون يقولون إنك إرميا أو واحدٌ من الأنبياء». فعاد المسيح يسألهم: «وأنتم من تقولون إني أنا؟» فأجابه سمعان بطرس: «أنت هو المسيح ابن الله الحي». فقال له المسيح: «طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السموات» (متى 16: 13-17).
كان اليهود يقسمون الزمان إلى قسمين: «العالم الحاضر» وهو زمان الشر والفساد الذي يسود فيه سلطان إبليس، وكانوا يقولون إن إصلاحه مستحيل. و«العالم الآتي» وهو زمان الخير والبركة الذي يسود فيه سلطان الله على العالم. وكانوا يعتقدون أن نهاية العالم الحاضر الشرير وبداية العالم الآتي المبارك ستحدث عندما يجيء المسيا المخلص المنتظر إلى أرضنا. كانوا يؤمنون أن إصلاح العالم لا يمكن بدون مجيء المسيح، لأن مجيء المسيح سيغيِّر العالم. وكانوا ينتظرون إيليا قبل مجيء المسيح ليجهِّز الطريق له، تحقيقاً لنبوة النبي ملاخي التي جاءت في التوراة والتي يقول فيها : «هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب. فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم» (ملاخي 4: 5، 6). فيجيء إيليا ليحل بعض المشاكل، مثل عصيان الأبناء على آبائهم. وبعد ذلك يأتي المسيح إلى عالم أفضل مستعد لقبوله.
ولما مضى زمان طويل دون أن يأتي المسيح بدأ اليهود يقولون: «لو أن اليهود جميعاً حفظوا الناموس كله مدة يوم واحد يجيء المسيح» ثم قالوا: «لو أن اليهود كلهم حفظوا يومي سبت متتاليين بدون خطية لجاء المسيح». من هذا نرى أن اليهود كانوا يهتمون بحفظ الناموس، لكنهم كانوا يرون عجزهم عن حفظه. كانوا ينتظرونه محرراً سياسياً لبلادهم، وملكاً أرضياً يملك على مملكة أرضية لخير الأجساد. وجاء المسيح ملكاً روحياً يملك على القلوب. وجاء يوحنا المعمدان وجهز الطريق أمام مجيئه. كان اليهود ينتظرون عودة إيليا، حسب تفسيرهم الحرفي لنبوة ملاخي. ولم يصدقوا أن يوحنا المعمدان هو إيليا المنتظر. لكن يوحنا جاء بروح إيليا، يعظ كما كان إيليا يعظ، ويأكل ويحيا كما كان إيليا يأكل ويحيا. ولذلك قال السيد المسيح عن يوحنا السيد المسيح ملكاً روحياً يملك على القلوب، ولم يصدق كثيرون من سامعيه أن هذا النجار الفقير الذي جاء من ناصرة الجليل يمكن أن يكون نبياً أو يمكن أن يكون مخلصاً.
المسيح النبي والكاهن والملك:
المسيح هو المدهون بدهنة المسحة التي تخصصه لخدمة ممتازة. وكانوا في التوراة يمسحون النبي والكاهن والملك. فيكون أن المسيح الممسوح بدهنة المسحة هو النبي والكاهن والملك، فقد ظهر هذا المعنى في الهدية التي قدمها المجوس للسيد المسيح، عندما قدموا له ذهباً ولباناً ومراً. إذاً تعالوا نرى هذه الخدمات الثلاث التي يؤديها المسيح لنا.
المسيح هو النبي الذي يعلن لنا رسالة الله وصوته. لقد قال النبي إشعياء إن المسيح الآتي يقول: «روح السيد الرب عليَّ، لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق، لأنادي بسنة مقبولة للرب، لأعزّي كل النائحين» (إشعياء 61: 1). ووقف السيد المسيح في مجمع الناصرة ، ودفع إليه سفر النبي إشعياء فقرأ «روح السيد الرب عليّ، لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي منكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة». ثم قال لسامعيه: «اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في مسامعكم» (لوقا 4: 16-21). وتعجبوا جميعاً من كلمات النعمة الخارجة من فمه. فقد كان يتكلم كمن له سلطان وليس كالكتبة.
جاء المسيح نبياً ليعلن للشعب رسالة الله، الله لم يره أحدٌ قط، ولكن المسيح هو الذي خبر. وهو قد قال: «الذي رآني فقد رأى الآب» (يوحنا 14: 9). هو الكلمة.
والمسيح ممسوح بمسحة الدهن المقدسة بمعنى أنه كاهن. لقد طلب الله من موسى في التوراة أن يأخذ دهنة المسحة ويسكب على رأس هارون وأولاده، فيكون لهم الكهنوت. وكان الكاهن يصلي عن الشعب ويقدم عنهم الذبائح. والمسيح كاهننا العظيم الذي عن طريقه نتقرب إلى الله. هو الذي قدم نفسه ذبيحة لله عن الشعب، وبه نتقرب إلى الله، وهو الذي يشفع فينا. لذلك يقول رسول المسيحية بولس: «يوجد إلهٌ واحد ووسيطٌ واحدٌ بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح» (1تيموثاوس 2: 5).
والمسيح ملك. قال عنه إشعياء بروح النبوة «لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته» (إشعياء 9: 6، 7). وعند يقول بروح النبوة : «تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو ربٌ لمجد الله الآب» (فيلبي 2: 10، 11).
هذا هو المسيح النبي الذي أعلن لنا من هو الله، لأنه كلمة الله، والكاهن الذي يقربنا إلى الله، يصلي لأجلنا ويشفع فينا. وهو الملك الذي يستحق وحده أن يملك على قلوبنا. فهل أعطيته سلطاناً وملكاً على حياتك؟
هل بواسطته وجدت طريقك إلى الله، وهل تصالحت مع الله عن طريق المسيح الذي قدم نفسه ذبيحة كفارية عنك؟
3- ابن الله
«أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله» (أعمال 8: 37)
عندما يفكر المسيحيون في السيد المسيح، فإن أول لقب ببالهم أنه ابن الله. أنه ابن مريم. من أبوه؟ لقد ولد من الروح القدس، لذلك نقول أنه ابن الله. ولقد ورد هذا اللقب أربعاً وأربعين مرة في العهد الجديد، ورد على فم الآب السماوي، فقال: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (مرقس 1: 11). وكرر الآب السماوي مرة أخرى هذا اللقب على جبل التجلي عندما نزل موسى وإيليا من السماء يتكلمان مع المسيح، وجاء صوتٌ من السماء يقول: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا» (متى 17: 5). ويقول البشير متى إن مجيء السيد المسيح إلى مصر حقق نبوة نبي التوراة هوشع تقول: «من مصر دعوت ابني» (متى 2: 15).
ولقد ورد هذا اللقب الحبيب على فم الملاك الذي بشر العذراء القديسة مريم بذلك الميلاد المعجزي العجيب. فعندما أعلن لها الملاك جبرائيل أنها ستلد المسيح، قالت: «كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟» أجابها الملاك: «الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لوقا 1: 35).
وورد لقب المسيح ابن الله على فم تلاميذ المسيح المقرَّبين. فقد قال يوحنا المعمدان: «أنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله» (يوحنا 1: 34). ومرة كان تلاميذ المسيح في سفينة معذَّبين من الأمواج، وكانت الريح معاكسة لهم، فجاءهم المسيح ماشياً على ماء البحيرة، فظنوه خيالاً، لكنه شجعهم قائلاً: «أنا هو. لا تخافوا». فقال له بطرس: «إن كنت هو المسيح، فمرني أن آتي إليك ماشياً على الماء». فدعاه المسيح أن يسير على الماء،ففعل. وعندما دخل المسيح وتلميذه بطرس إلى السفينة. سكتت الريح، فتقدم التلاميذ الذين في القارب وسجدوا للمسيح قائلين: «بالحقيقة أنت ابن الله» (متى 14: 33).
وعندما ذهب السيد المسيح إلى بيت مرثا ومريم بعد أن مات أخوهما لعازر، قالت له مرثا: «أنا قد آمنت أنك أن المسيح ابن الله الآتي إلى العالم» (يوحنا 11: 27). ويفتح البشير مرقس إنجيله بقوله: «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله» (مرقس 1:1). ونقرأ عن شاول الطرسوسي الذي تغيَّرت حياته، وصار فيما بعد الرسول بولس، أنه «أخذ يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله» (أعمال 9: 20). ويحدثنا الإنجيل المقدس أن وزير مالية الحبشة كان يتعبَّد في أورشليم، وأخذ نسخة من نبوة النبي إشعياء، جعل يقرأ فيها وهو في عربته في طريق عودته، عندما رافقه واحدٌ من رسل المسيح واسمه فيلبس، وسأله عما يقرأه، وشرح له تلك النبوات التي جاءت في التوراة وتحققت في المسيح المخلص. وآمن الخصيُّ الحبشيُّ بالمسيح وقال: «أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله» (أعمال 8: 37).
ما المقصود بلقب ابن الله؟
تعودنا أن نسمع اللقب «المسيح ابن مريم» فمن يكون أبوه، إلا الله الذي سبَّب الحبل به من العذراء القديسة مريم؟ نقول “ابن مريم” فنعطي انتماءه لأمه. ولكي ينتمي إلى أب نقول «ابن الله».
ثم إننا نعني أنه مثل الله. الذي رآه فقد رأى الله (يوحنا 14: 9). لقد قال المسيح إن الذين يصلّون لأجل الذين يسيئون إليهم هم أبناء الآب السماوي، لأنهم يتصرفون مثله، فهو يشرق شمسه على الأشرار والصالحين (متى 5: 44، 45)، والمسيح هو صورة الله غير المنظور وفيه سُرَّ أن يحل كل ملء اللاهوت جسدياًُ (كولوسي 1: 15، 19، 2: 9).
هل قال المسيح عن نفسه إنه ابن الله؟
نعم، لقد قالها أكثر من مرة. نقرأ في الأصحاح التاسع من بشارة يوحنا أن المسيح التقى برجل أعمى منذ ولادته، وطلب منه أن يذهب إلى بركة سلوام ليغسل عينيه ويرجع بصيراً. وبعد أن رجع التقى بالمسيح فسأله: «أتؤمن بابن الله؟» فقال الأعمى بعد أن انفتحت عيناه: «ومن هو يا سيد لأؤمن به؟» أجابه المسيح: «قد رأيته، والذي يتكلم معك هو هو». فقال الرجل: «أؤمن يا سيد» وسجد له (يوحنا 9: 35-37).
ومرة تناول اليهود حجارة ليرجموا بها المسيح، فقال لهم: «أريتكم أعمالاً صالحة كثيرة من عند أبي، فبسبب أي عمل منها ترجمونني؟» أجابوه: «لا نرجمك بسبب عمل صالح، بل بسبب تجديفك، لأنك تجعل نفسك الله وأنت إنسان». فقال لهم يسوع: «أليس مكتوباً في شريعتكم أنا قلت إنكم آلهة؟ فإذا كانت الشريعة تدعو أولئك الذين نزلت إليهم كلمة الله آلهة ، والكتاب لا يمكن أن يُنقض، فهل تقولون لمن قدسه الآب وبعثه إلى العالم: أنت تجدف، لأني قلت أنا ابن الله؟» (يوحنا 10: 31-36 من ترجمة كتاب الحياة).
كان المسيح يشعر دوماً أنه ابن الله. عندما كان في الثانية عشرة من عمره يزور هيكل أورشليم، وجاءت مريم ويوسف يفتشان عليه، قال لهما: “ينبغي أن أكون فيما لأبي” (لوقا 49:2).
وفي بستان جثسيماني وهو يصلي، قبل إلقاء القبض عليه للصليب، سمعناه يقول للآب: “يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس” (لوقا 39:22-44). ووقت محاكمته أمام رئيس الكهنة سألوه: “أفأنت ابن الله؟” فقال لهم: “أنتم تقولون إني أنا هو” فصرخوا: “ما حاجتنا بعد إلى شهادة؟ لأننا نحن سمعنا من فمه” (لوقا 70:22) وعلى الصليب ختم حياته على أرضنا بقوله: “يا أبتاه، في يديك استودع روحي” (لوقا 46:23).
المؤمنون أبناء الله:
يتحدث الكتاب المقدس عن أن المؤمنين هم أيضاً أبناء الله.
المؤمنون يخاطبون الله على أنه الآب السماوي ويدعونه بدالة البنين قائلين: “يا أبا الآب” (غلاطية 6:4).. كما أن المسيح خاطب الآب السماوي بدالة الابن قائلاً: “يا أبا الآب” (مرقس 36:14).
لكن الفرق الكبير بين المؤمنين كأبناء لله، وبين المسيح كابن لله، هو أن بنوة المؤمنين مكتسبة، أنعم الله بها عليهم.. أما بنوَّة المسيح فهي أزلية أصيلة.. بنوة المسيح أصيلة أصيلة، من قبل كل الدهور، ولكن بنوية المؤمنين تأتيهم عن طريق اتحادهم بالمسيح وثبوتهم فيه.. ولنسمع بولس الرسول يقول: “إذ سبق فعيَّننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرَّة مشيئته، لمدح مجد نعمته” (أفسس 5:1 و6).
ومن ألطاف الله وإنعاماته علينا أنه تنازل وقبل أن يجعلنا أبناءً له، بعد أن كنا عبيداً للخطية، وأعداءً له، ومطرودين من بيته وفردوسه، فيقول إنجيل يوحنا: “كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله. أي المؤمنون باسمه، الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله” (يوحنا 12:1 و13).
ويقول الرسول يوحنا: “إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه. انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله” (1يوحنا 29:2 و1:3).
ويقول الرسول بولس عن المؤمنين إنهم أولاد الله الذين ينقادون بروح الله (رومية 14:8).
ما هو الفرق إذاً بين المسيح ابن الله، وبين المؤمنين أولاد الله؟
الفرق الأول أن المسيح ابن الله من الأصل بالطبيعة منذ الأزل.
أما المؤمن فهو ابن بالتبني، إذ رضى الله في رحمته أن يجعله ابناً له!
والمسيح هو الابن الوحيد.. الذي وحده يقدر أن يقول: “أنا والآب واحد” (يوحنا 30:10) وهو وحده الذي يقدر أن يقول: “الذي رآني فقد رأى الآب” (يوحنا 9:14).
أما المؤمن فهو يرى الله في المسيح. “الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر” (يوحنا 18:1).
الابن صاحب السلطان:
قال المسيح: “كل شيء قد دُفع إليّ من أبي، وليس أحد يعرف الابن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له” (متى 27:11) وقال: “كل ما للآب هو لي” (يوحنا 15:16).
له سلطان على كل شيء. وهو الذي يدين: “ولأن الآب لا يدين أحداً، بل قد أعطى كل الدينونة للابن” 0يوحنا 22:5). وكل من له ابن الله يتمتع بحمايته وخلاصه.
الابن يقود للآب:
قال المسيح: “الآب يعرفني وأنا أعرف الآب” (يوحنا 15:10) وعلى هذا فإنه: “ليس أحد يأتي إلا الآب إلا بي” (يوحنا 38:8).
وهو وحده الذي يقودنا إلى الآب، لأنه وحده يعرف الآب. “الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله” (يوحنا 36:3).
الابن يطيع الآب:
والمسيح ابن الله يطيع الآب السماوي.
إنه يقول: “طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله” (يوحنا 34:4).
ويقول: “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل. أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً” (يوحنا 19:5 و30).
ويقول: “لأني قد نزلت من السماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني” (يوحنا 38:6).
وفي هذا نرى تواضع المسيح، الذي أخلى نفسه، وأخذ صورة عب، وصار في شبه الناس. كما إننا نرى كماله وعدم خطيته في طاعته الكاملة للآب.
أنه الكامل..
وهو الذي تنازل!
4- مخلِّص
«ولد لكم اليوم في مدينة داود
مخلص هو المسيح الرب» (لوقا 1:2)
كان المسيحيون الأوَّلون يستعملون السمكة رمزاً لهم يتعارفون عن طريقها عندما يرسمونها، لأن كلمة السمكة في اللغة اليونانية كانت تتكون من خمسة حروف كل حرف منها أول كلمة تصنع عبارة تقول: “يسوع المسيح ابن الله مخلص”.
نتأمل اللقب المحبب إلى قلب كل مؤمن بالمسيح، لقب “المخلص” لأنه مخلصنا. لقد جاء السيد المسيح إلى عالم كان ظامئاً إلى مخلص، فقد قال سنيكا: “العالم يتطلع إلى خلاص قادم”. وسنيكا هو رجل الدولة الروماني والفيلسوف الذي عاش من سنة 54 قبل الميلاد إلى سنة 39 بعد الميلاد. فقد كانت الحالة السياسية والاقتصادية والأخلاقية في الإمبراطورية الرومانية تسوء قبل الميلاد بقرنين، وجعل كثيرون من البشر يتطلعون إلى الإنقاذ والخلاص، حتى أطلقوا على كثيرين من حكامهم لقب المخلص. كان هذا لقب كل حاكم من البطالمة في مصر. كما قال الإثينويون عن يوليوس قيصر إنه المخلص. وأطلق الناس لقب “مخلص” على أوثانهم، ومنها الإله سكلابيوس إله الشفاء فكان الناس يتجمعون في هيكله، يصرفون الليل كله آملين أن ذلك الإله، في ظلمة الليل، يلمس أجساده ليشفيهم وسموه مخلص العالم.
معنى الخلاص:
وأود أن أضع أمامك المعاني التالية لكلمة الخلاص:
1- المعنى الأول للخلاص هو السلام والنجاح:
يشعر الإنسان بأنه منفصلٌ عن الله، لأن الخطية فصلت بينه وبين الرب. لقد كان جدُّنا الأول آدم سعيداً في الجنة يلتقي بالله ويخاطبه. لكن ما أن أخط حتى خاف وابتعد، فجاءه الله يدعوه باسمه “آدم، أين أنت؟” ليصنع معه صلحاً. ويقول أيوب إمام الصابرين: “ليس بيننا مصالحٌ ضع يده على كلينا” (أيوب 33:9) لأنه شعر أن الله صار له عدواً ليعاقبه، وهو يطلب شخصاً يصنع السلام بينه وبين الله. والمسيح هو صانع السلام. لنستمع إلى ما يقوله الإنجيل المقدس عنه: “الكل من الله الذي صالحنا لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعاً فينا كلمة المصالحة. إذاً نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح: “تصالحوا مع الله. لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن برَّ الله فيه” (2كو 18:5-20) ويتحدث رسول المسيحية بولس قائلاً عن المسيح: “الذي أُسلم من أجل خطايانا، وأُقيم لأجل تبريرنا. فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلامٌ مع الله بربنا يسوع المسيح، الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون. ونفتخر على رجاء مجد الله”. ثم يقول: “من أجل ذلك كأنما بإنسان واحدٍ دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع، وصار الحكم إلى جميع الناس للدينونة. هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة، حتى كما ملكت الخطية في الموت، هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح. لأن أجرة الخطية هي موت، وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا” (رومية 25:4 و 1:5 و1 و12 و18 و23:6).
هل تحس أنك مغتربٌ عن الله بعيد عنه؟ هل تحس أن خطيتك تفصل بينك وبينه، حتى أنك لا تلقى استجابة لصلاتك عندما تدعوه؟ أؤكد لك أن السيد المسيح هو المخلص الذي إذا فتحت له قلبك سوف تنعم بسلام حقيقي مع الله.
2- لقب المخلص يعني الإنقاذ من كل حالة يائسة:
لقد جاء المسيح إلى عالمنا ليخلصنا فعلاً. تعال نتأمل ما فعله مع البشر المتعبين. لقد بدأ خدمته في الناصرة بأن قرأ نبوة جاءت عنه في كتابات إشعياء نبي التوراة، يقول فيها: “روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب. لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة” (لوقا 18:4 و19).
جاءنا المسيح ليخلصنا من كل موقف بائس. عندما رأى الجياع قدم لهم مائدة، إذ أخذ الخبزات الخمس والسمكتين وبارك وأعطى تلاميذه ليوزعوا، فأكل الجميع وشبعوا وفضل عنهم (يوحنا 1:6-15). فإذا نحن قصدنا المسيح وسلمناه زمام حياتنا وجدنا أنه يعتني بنا. إن توجيهاته لنا تضمن سعادتنا، وعندما نسلمه قيادة حياتنا نضمن أننا ننجو من كل موقف قاس. لعلك تتذكر تلك السيدة التي كانت مصابة بنزيف دم، وأنفقت كل ما عندها على الأطباء فلم تنتفع شيئاً بل صارت إلى حال أردأ. إلى أن لمست هُدب ثوب المسيح فنالت الشفاء (مرقس 25:5-34) ونحن اليوم عندما نجيء في مرضنا وتعبنا يلمسنا لمسة حب تجعلنا قادرين أن نواجه المواقف القاسية بنعمة وشجاعة، لأنه يحقق لنا ما قاله رسول المسيحية بولس عندما صلى أن يشفيه الله من مرض، فلم يقدم له الشفاء بل قال له: “تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمَل” (2كو 9:12). نعم قد يشفينا من مرضنا، أو قد يمنحنا النعمة التي تجعلنا نعيش مع المرض بسلام نستمده من عنده هو.
فافتح قلبك للسيد المسيح، المخلص القادر أن يريحك من كل ما يتعبك فهو الذي قال: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (متى 28:11).
3- المعنى الثالث للخلاص هو غفران الخطية:
فإن الخطية حملٌ قاس وسيدٌ مستبد. من يفعل الخطية هو عبد للخطية. عندما تكون مستعبداً لعادة شريرة تحسُّ بإذلالها، ترى أنك محتاجٌ لهذا المخلص الذي يقطع رُبُط النير من على كتفيك، ويطلقك حراً، ويقول لك: “وتعرفون الحق والحق يحرركم. إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً” (يوحنا 32:8 و36). أعرف كثيرين تغيَّرت حياتهم تماماً وانتصروا على خطاياهم، لأن السيد المسيح وهبهم النعمة والقوة التي جعلتهم يغلبون الخطية. أدعوك أن تتعرف على المسيح لتجد نصرتك الكاملة.
4- المعنى الأخير الذي أقدمه عن معنى المخلص أنه الإنقاذ من الدينونة النهائية:
أجرة الخطية هي موت. هناك موتٌ أخلاقي عندما ينفصل الإنسان عن الله، وهناك موتٌ جسي عندما تفارق أرواحنا أجسادنا، وهناك موتٌ أبدي عندما يلقى الشرير في بحيرة النار والكبريت. والمسيح ينقذنا من الدينونة الأخيرة (رومية 1:8).
عزيزي القارئ، لقد ظهر مخلصنا المسيح في الأزمنة الأخيرة لينقذنا من قيود الخطية والشر، وليضمن لنا حياة أبدية. ولا عجب أن قال المسيح: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 16:3). فالحياة الأبدية لك ان فتح قلبك للمسيح المخلص ليغيرك وليعطيك حياة جديدة وقلباً جديداً.
5-الله
«ويدعى اسمه.. إلهاً قديراً» (إشعياء 6:9)
قال توما للمسيح، وهو يسجد له: “ربي وإلهي” فقبل منه المسيح هذا السجود. وقال رسول المسيحية بولس عنه: “عظيم هو سرُّ التقوى: الله ظهر في الجسد” (1تيمو 16:3) كما قال أيضاً: “فيه يحلُّ كل ملء اللاهوت، جسدياً” (كولوسى 2: 9). وفى موقف مقارنة بين السيد المسيح والملائكة، يتساءل الإنجيل المقدس : “فلأي واحد من الملائكة قال الله مرة : “أنت ابني ، أنا اليوم ولدتك” أو قال : ” أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً. وعندما يعيد الله ابنه البكر إلى العالم يقول: ولتسجد له ملائكة الله جميعاً. أما عن الملائكة فيقول : جعل ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار، لكنه يخاطب الابن قائلاً: عرشك يا الله ثابت إلى أبد الآبدين، وصولجان حكمك عادل ومستقيم. إنك أحببت البر وأبغضت الإثم، لذلك مسحك الله إلهك ملكاً ، إذ صب عليك زيت البهجة أكثر من رفقائك. كما يخاطب الابن أيضاً بقوله : أنت يا رب وضعت أساس الأرض في البداية، والسماوات هي صنع يديك، هي تفنى وأنت تبقى ، فسوف تبلى كلها كما تبلى الثياب ، فتطويها كالرداء ثم تبدلها. ولكنك أنت الدائم الباقي، وعمرك لن ينقضي”. ثم يستمر الإنجيل المقدس في التساؤل: “فهل قال الله مرة لأي واحد من الملائكة ما قاله للابن: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك؟ فليست الملائكة إلا أرواحاً خادمة ترسل لمساعدة الذين سيرثون الخلاص” (عبرانيين 5:1 –14).
وعندما نفكر في لاهوت المسيح، نقف في خشوع لأننا نتأمل غير المحدود الذي تواضع وأخذ جسماً بشرياً، “الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب” (فيلبي 6:2-8).
ويقول لنا الإنجيل المقدس إنه لا يستطيع أحد أن يقول إن يسوع المسيح رب إلا بالروح القدس (1كو 3:12) فغن لاهوت المسيح سر، وعظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد. ومعنى كلمة سر في الكتاب المقدس أنه الشيء الغامض الذي يكشفه الله للإنسان، لأن الإنسان لا يقدر أن يكتشفه لنفسه بدون إعلان إلهي.
فافتح قلبك لعمل الروح القدس، وبعد أن يقتنع قلبك ستجد أن عقلك قد اقتنع، كما يقول الفيلسوف باسكال: إن للقلب براهينه كما للعقل أيضاً براهينه، ولاهوت المسيح شيء تلمسه بقلبك قبل أن تلمسه بفكرك.
الوحدانية المركَّبة:
سُئل السيد المسيح مرة: “ما هي أعظم وصية؟” فأجاب: “أول كل الوصايا هي: الرب إلهنا هو رب واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى، والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك” (متى 34:22-40). الرب إلهنا رب واحد، هكذا قال السيد المسيح. والكلمة المترجمة “واحد” تدل على وحدانية مركبة لا وحدانية بسيطة. فمثلاً جسد الإنسان واحد، لكنه من وحدة مركبة، لأنه مكون من أعضاء كثيرة. نحن نؤمن برب واحد فيه ثلاث أقانيم: الأقنوم الأول: الله الآب. والأقنوم الثاني: الابن، المسيح، الكلمة. والأقنوم الثالث: الروح القدس. ونحن نرى هذه الأقانيم الثلاثة، ومع ذلك نرى أن الله واحد، ولذلك نحن نؤمن أن الله واحد وحدة مركبة وليست وحدة بسيطة. لكن كيف للعقل البشري المحدود أن يدرك الله غير المحدود؟ هل نقدر أن نضع مياه البحر في نقرة نحفرها علي الشاطئ ؟ حتى لو استطعنا ذلك فإننا لن نستطيع ان ندرك أسرار الله الخالق بعقولنا التي خلقها هو . فالله بلا كيف .
نحن نري الأقانيم الثلاثة معاً وقت معمودية السيد المسيح , فلقد كان الابن يتعمد في الماء, والروح القدس نازلاً في هيئة جسميه كحمامة و آتياً عليه , وصوت الآب من السماء يقول: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” (متي 16:3 و17). وكل أقنوم من الثلاثة يتكلم مع الأقنوم الآخر، فالآب يتكلم مع الابن. إذ نقرأ في المزمور المائة والعاشر: “قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك”. والابن تكلم مع الآب قائلاً: “أيها الآب مجد اسمك” فجاء صوت من السماء: “مجدت وأمجد أيضاً” (يوحنا 28:12).
وفي نبوة إشعياء الأصحاح الثامن والأربعين نقرأ قول المسيا الآتي مخلصاً للعالم: “منذ وجوده أنا هناك. والآن السيد الرب أرسلني، وروحه” فالمسيح موجود منذ وجود الآب، يقول: “اليد الرب أرسلني الآن، في ملء الزمان. أرسل الله الابن إلى العالم ويقول: “الآن السيد الرب أرسلني، وروحه”. وفي الأصحاح الحادي والستين في نبوة إشعياء يقول المسيا الآتي: “روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني” فالابن يقول “مسحني”. الرب مسحه، وروح السيد الرب عليه.
ما أعظم هذا الفكر، أن الله مشغول بخلاص البشر، يريد سعادتهم. الآب والابن والروح القدس معاً، يعملون على إنقاذ الإنسان من خطئه ومن شره. إن الله مشغول بخلاص الإنسان بالرغم من فساد الإنسان، فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره؟.
الله واحد مما في هذا شك، لكن وحدانيته مركبة. نقرأ قول السيد المسيح في أمرنا بالمعمودية: “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى 19:28). لا يقول عمدوهم بأسماء بل عمدوهم باسم. فهناك إله واحد: الآب والابن والروح القدس. والسيد المسيح هو الأقنوم الثاني، الله الابن الأزلي، الذي جاء أرضنا ليخلصنا يتساءلون: “من هو هذا؟ فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه”.
ثم واجه المسيح مجنوناً كان يقطع الطريق على المارة، فأمر المسيح الشياطين أن تخرج منه، فخرجت الشياطين وشفي الرجل.
والتقى المسيح بامرأة مريضة بنزف الدم منذ اثنتي عشرة سنة، وقد أنفقت كل مالها على العلاج دون أن تستفيد شيئاً، بل صارت إلى حال أردأ. ولما لمست هدب ثوب المسيح نالت الشفاء التام.
ثم دخل المسيح بيت رئيس لمجمع اليهود، اسمه يايرس، كانت ابنته قد ماتت، فأمسك المسيح بيدها وقال لها: “يا صبية لك أقول قومي” وللوقت قامت الصبية ومشت.
من هو هذا الذي يملك السلطان على الطبيعة وعلى الأبالسة وعلى المرض وعلى الموت إلا الله؟ لذلك نقول إن المسيح هو الله.
4- وهو العالم بكل شيء، فقد قال له تلاميذه بعد أن عرفوه جيداً: “الآن نعلم أنكك عالم بكل شيء، ولست تحتاج أن يسألك أحد، لهذا نؤمن أنك من الله خرجت” (يوحنا 30:16). ويشهد الرسول عنه أنه “المذخر فيه كل كنوز الحكمة والعلم” (كولوسي 3:2).
5- وهو القادر على كل شيء – عنه يقول سفر الرؤيا إنه القادر على كل شيء” (8:1) ويقول في العبرانيين: “حامل كل الأشياء بكلمة قدرته” (3:1). وليس هذا غريباً، فإنه بحسب عمل استطاعته يخضع لنفسه كل شيء” (فيلبي 21:3). بل نحن نستطيع كل شيء (في 13:4) كم نصر ضعيفاً، وأنقذ أسيراً.
6- وقد أقام الأنبياء بعض الموتى بعد أن طلبوا ذلك من الله في الصلاة، لكن المسيح صاحب السلطان على الحياة لأنه الخالق. ولذلك أمر الميت أن يقوم فقام.. وقد قال شاعر عربي:
كان رجال الله تحيي ميتاً بصلاتها ودعائها المتقدم
وتراه يحيي الميتين بأمره هذا الإله، ومن تنكر يندم!
أعمال المسيح هي أعمال الله:
والمسيح يعمل الأعمال التي لا يعملها إلا الله، وهي الخلق والخلاص والإقامة من الأموات والدينونة..
1- المسيح الخالق: “كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يوحنا 3:1). “كان في العالم وكوّن العالم به” (يوحنا 10:1) – “فيه خلق الكل، ما في السموات وما على الأرض” (كولوسي 16:1).
2- المسيح يقيم من الأموات “كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضاً يحيي من يشاء” (يوحنا 21:5) “فقد ابطل الموت وأنار الحياة والخلود” (2تيمو 20:1) وقد قال: ” أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا” (يوحنا 25:11) “وهذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئاً بل أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا 39:6).
3- والمسيح يدين في اليوم الأخير – فيتساءل بولس ويجيب: “من هو الذي يدين؟ المسيح” (رومية 34:8) فإن “الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن” (يوحنا 2222:5) وهو “المعيَّن من الله ديَّاناً للأحياء والأموات” (أعمال 42:10).
ما قاله المسيح:
هذا هو المسيح، الله ظهر في الجسد، الذي يقول عن نفسه:
“أنا والآب واحد” (يوحنا 30:10)
“الذي رآني فقد رأى الآب” (يوحنا 8:14)
حتى شيوخ اليهود انتقدوا عليه أنه ” قال إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله” (يوحنا 18:5).
قال كليف س لويس، الذي كان أستاذاً بجامعة كامبريدج “إني هنا أحاول أن أمنع من يُجرَّب أن يقول القول الفارغ: إني أقبل المسيح كمعلم أخلاقي عظيم، ولكني لا أقبل دعواه بأنه الله، فهذا ما لا يجب أن يقوله عاقل! فإن ما قاله المسيح عن نفسه لا يجعل منه معلماً أخلاقياً عظيماً، لكنه إما أن يكون مجنوناً، أو شيطاناً. فهو إما مجنون، أو هو الشيطان نفسه. وقد ترفضه وتحكم عليه بالجنون، أو تبصق عليه وتقتله كشيطان، أو تجثو عند قدميه وتدعوه رباً وإلهاً. ولكن لنترك جانباً اللغو الفارغ بأنه معلم عظيم، فلم يترك لنا الفرصة لنقول مثل هذا الكلام، ولم يرد لنا أن نقوله!”.
إن كلام المسيح جزء من ذات نفسه، وليس نطق نبي يعلن كلام سواه. فلو أننا فصلنا بين يسوع وأقواله، لا تعود لها قوتها. ويقول المؤرخ العظيم كنث لاتوريت أستاذ التاريخ المسيحي في جامعة بيل: “ليست تعاليم المسيح هي التي تعطيه الأهمية الكبيرة، مع أنها كافية لأن تفعل ذلك، ولكن العظمة في الشخص الذي قال ما قاله! ولا يمكن أن تفصل بين المعلم وتعاليمه. إن القارئ المفكر للأناجيل يرى أن المسيح وتعاليمه غير منفصلين، فإن تعليمه عن ملكوت الله وعن السلوك البشري وعن الله تعاليم هامة، ولكنها لا تنفصل أبداً عن شخصه”.
إنه الله! رأينا أنه يعمل عمل الله. إنه الخالق الذي خلقك، يأخذ التراب بيده وينفخ فيه فتسري فيه الحياة. من يكون الذي يخلق من الطين حياة إلا الله؟ هذا الذي يحيي العظام وهي رميم. هذا الذي يخرج الموتى من قبورهم. هذا الذي قال فيه الشاعر
المقبلون إلى المسيح ليخلُصُوا ترك المسيح لأجلهم عرش السما
6- الإنسان
«الإنسان يسوع المسيح» (1تيموثاوس 5 :32)
هناك حقيقة ينبغي أن ننتبه إليها دائماً ونحن نتأمل في ألقاب السيد المسيح وفي شخصه، هي أن المسيح جمع طبيعتين: الطبيعة الإنسانية الكاملة والطبيعة الإلهية الكاملة. فهو إنسان مثلنا جميعاً: أكل وشرب وتعب ونام وتألم وصُلب ودُفن، غير أنه قام من بين الأموات. ثم إن المسيح يمتلك طبيعة إلهية كاملة فهو الذي عرف الغيب، وأدرك ما يدور في صدور سامعيه، وهو الذي خلق للأعمى عينين. بل عن الإنجيل المقدس يقول: “كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يوحنا 3:1). اتحدت الطبيعة الإلهية بالطبيعة الإنسانية فيه دون أن تختلط أو تمتزج، لذلك يقول رسول المسيحية بولس: “عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد” نعم المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد (1تيمو 16:3)
“يوجد إلهٌ واحدٌ ووسيطُ واد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح” (1تيمو 5:2).
عندما التقى السيد المسيح بالمرأة السامرية التي كانت شريرة خاطئة غير حياتها، وعندما تغيرت رجعت إلى أهل بلدها تقول لهم: “انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت” (يوحنا 29:4). وحدث أن السيد المسيح شفى رجلاً مولوداً أعمى، فمضى الرجل يقول: “إنسانٌ يقال له يسوع صنع طيناً وطلى عيني” (يوحنا 11:9) وأعلن بيلاطس لشيوخ اليهود ولجمهور الشعب عن المسيح: “هوذا إنسان” وإن كنا نظن أن المرأة السامرية أو المولود أعمى و بيلاطس لم يكونوا يعرفون المسيح معرفة كافية، فقالوا عنه إنه إنسان، فماذا نقول في الذين يرفونه. قال عنه يوحنا المعمدان: “هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجلٌ صار قدامي لأنه كان قبلي” (يوحنا 30:1). وقال عنه تلميذه بطرس في موعظته المشهورة يوم الخمسين: “يسوع الناصري رجلٌ قد تبرهن لكم من قِبَل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم” (أعمال 22:2) وقال عنه رسول المسيحية بولس لتلميذه تيموثاوس: “يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح”. من هنا نرى أنه لم يكن نصف إنسان ونصف أله، ولكنه كان إنساناً كاملاً حقاً.
حوادث حياته:
من حوادث حياة المسيح نلمس أنه كان إنساناً كاملاً. لقد جاء أرضنا مولوداً من امرأة. صحيح أنه بلا أب بشري، فقد ولد من الروح القدس، لكنه أيضاً ولد من مريم العذراء في مذود بسيط، وكان ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة، وكانت نعمة الله عليه. وكان يعيش مع مريم أمه ومع يوسف في الناصرة، وكان خاضعاً لهما. واشتغل بالنجارة. وكان كما يقول الإنجيل عنه: “يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس” (لوقا 51:2) وجاء الشيطان يجرب المسيح كما يجرب أي واحد من البشر، وواجه المسيح الشيطان كما يواجهه سائر البشر وانتصر عليه. لكن الشيطان لم يترك المسيح، إذ يقول الإنجيل إن الشيطان المهزوم فارق المسيح إلى حين. فقد عاد إليه يجربه عدة مرات بعد ذلك (لوقا 13:4).
ويقول الإنجيل المقدس عن السيد المسيح إنه مجرب في كل شيء مثلنا (عبرانيين 15:4). لقد جاع المسيح وعطش، وتعب ونام، واحتاج وحزن ومات مصلوباً ودفن، ويكفي أن نصفه بالقول: “الكلمة صار جسداً وحل بيننا” (لوقا 2:4 ويوحنا 6:4 و7 ولوقا 23:8 و58:9 ومرقس 5:3 ومتى 38:26).
الله يكلمنا فيه:
لماذا جاءنا المسيح إنساناً؟ عندما أراد الله أن يعلن نفسه للبشر أرسل ابنه إنساناً مثلهم. ويقول البشير يوحنا: “الله لم يره أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر” (يوحنا 18:1). من هذا نرى أن الله كان يكلمنا في المسيح كما يقول الإنجيل المقدس: “الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه” (عبرانيين 1:1 و2) فالمسيح هو الإعلان الأعظم عن الله، الذي قال: “الذي رآني فقد رأى الآب” (يوحنا 9:14).
مرة كان واعظ مشهور يتنزه في الغابة القريبة من بيته، ويصحب معه ابنه الصغير. وداس الواعظ الكبير على عش للنمل دون أن يقصد، فقتل عدداً كبيراً من النمل. وحزن الولد الصغير وهو يرى النمل يموت تحت حذاء أبيه، فقال: “بابا، يجب أن تعتذر للنمل”. فقال الآب: لا أقدر أن أعتذر للنمل، لأنني لا أتكلم لغتهم وهم لا يفهمون كلامي” فقال الولد لأبيه: “ولماذا لا تتعلم لغة النمل؟” قال الآب: “لأنني يجب أ أصير نملة حتى أقدر أن أكلم لنمل، ولا يخاف النمل مني، وأنا لا أقدر أن أصير نملة، لأن الله وحده هو الذي يقدر أن يخلق. ووحده الذي يقدر أن يغير خليقته” وهنا مضى الواعظ الشهير يقول: “إن الله أراد أن يشرح محبته للناس، ولم يقدر الناس أن يفهموا هذه المحبة، ولذلك صار الله إنساناً مثل الناس حتى يقدر الناس أن يفهموا محبته ويدركوا عظمة هذه المحبة. ولما كان المسيح هو الله فقد استطاع أن يصير إنساناً، وكلمنا الله في المسيح وأعلن لنا ذاته فيه. لا يستطيع أحد أن يرى الله، لكننا نرى الله في المسيح. ولا يستطيع أحدٌ أن يدرك الله، لكننا ندرك الله في المسيح. ولقد قال أحد الحكماء: “الله بلا كيف، لكن مفتاحه في المسيح”.
يعطف علينا:
يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: “لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية” (15:4).
ومن هذا نرى أن المسيح صار أخاً لنا، قادراً أن يرثي لضعفاتنا ويعزينا، ويعطف علينا، لأنه قد اختبر أحزاننا.
إنه نسل المرأة.. لأنه مولود من امرأة بدون رجل..
وهو نسل إبراهيم، لأنه يفدي المؤمنين الذين هم أبناء إبراهيم.
ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين أيضاً: “ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب، لأنه في ما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين” (17:2 و18).
وأنت وأنا نقدر أن نأتي إلى المسيح بدون خوف، لأنه مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية “فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة، ونجد نعمة عوناً في حينه” (عبرانيين 16:4).
الإنسان الكامل:
المسيح إنسان مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية. وقد سأل هو مرة أعداءه: “من منكم يبكتني على خطية؟” ولم يستطع أحدٌ أن يجاوب عليه (يوحنا 46:8).
يقول عنه الرسول بطرس، الذي عرفه معرفة قريبة أكثر من ثلاث سنوات: “الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه غش” (1بطرس 22:2) نعم، كان يجب أن يكون المسيح بدون خطية لأن طبيعته البشرية متحدة في أقنوم واحد مع طبيعته الإلهية الطاهرة، وقد قال هو: “أنا والآب واحد” (يوحنا 30:10)والمسيح بدون خطية حتى يكون ذبيحة الفداء المقبولة أمام الله، كما يقول الإنجيل المقدس: “كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات” (عبرانيين 26:7). وفي كمال المسيح يمكننا أن نجد فداءنا وخلاصنا.
المسيح إنسان كامل – هذا صحيح تماماً. والذي يقول إن المسيح إنسان ويسكت، يكون قد أعلن نصف الحقيقة. فالمسيح إله وإنسان معاً. فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً. هو الله الذي ظهر في الجسد.
أدعوك لأن تعرف المسيح، المعرفة الكاملة، كما أعلنه لنا الإنجيل المقدس. أدعوك لأن تفتح له قلبك لتجد بالإيمان به مغفرة خطاياك والحياة الأبدية.
7- ابن الإنسان
«ابن الإنسان قد جاء ليطلب ويخلص
ما قد هلك» (لوقا 10:19)
كان المسيح يحب أن يلقب نفسه “ابن الإنسان” وقد استعمله دائماً عن نفسه أكثر من 30 مرة في إنجيل متى و15 مرة ي إنجيل مرقس و25 في إنجيل لوقا وحوالي 12 مرة في إنجيل يوحنا.
وكان هذا اللقب على فم المسيح نفسه دوماً، ما عدا أربع مرات في العهد الجديد، مرة حين سأله الواقفون حوله عن معنى اللقب (يوحنا 34:12) وفي مرة أخرى حين قاله استفانوس وهو يستشهد (أعمال 56:7) وفي مرتين في سفر الرؤيا (رؤيا 13:1 و14:14).
أما في العهد القديم فقد جاء في المزامير وحزقيال ودانيال..
والآن ما هو قصد المسيح من هذا اللقب الذي كان يحبه واستعمله كثيراً وما هو المعنى الموجود فيه؟
ابن الإنسان ممثل البشر:
ما أجمل تواضع المسيح وهو يحسب نفسه واحداً من البشر، بعد أن أخلى نفسه من مجده وصار مثل واحد من الناس، ما عدا الخطية!
لم يقل المسيح عن نفسه إنه ابن النجار، أو ابن اليهود.. لكنه كان يحب أن يلقب نفسه بلقب ابن الإنسان، لأنه أراد أن يحسب نفسه من البشر كلهم.
أنه للجميع. كل واحد له فيه نصيب.. وفي كل أمة له شعب..
في نظره ليس أبيض ولا أسود، ولا غني ولا فقير، ولا متعلم وجاهل، ولا عربي وأعجمي، ولا شرقي وغربي، لأنه للجميع، وعنده مكان لكل واحد.
يرسمه الفنان الإفريقي مثل الإفريقيين، ويرسمه الصيني مثل الصينيين، ويرسمه الأوربي مثل الأوربيين.. وكل هذه الرسوم صواب لأن المسيح فعلاً وحقاً ابن الإنسان ممثل الجميع، ومخلص الجميع، وصديق الجميع.
اسمعه وهو يقول: “للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه” (متى 20:7).
وهو يتحدث مع تلاميذه عن عظمة التواضع، فيقول لهم: “من أراد أن يصير فيكم عظيماً، يكون لكم خادماً. ومن أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً. لأن ابن الإنسان أيضاً لم يأت ليُخدَم بل ليَخدُم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين” (مرقس 43:10-45).
ولا شك أن المسيح كان يعرف قول المرنم: “فمن هو الإنسان حتى تذكره، وابن آدم حتى تفتقده” (مزمور 4:8) التي تقدمها رسالة العبرانيين:”ما هو الإنسان حتى تذكره، أو ابن الإنسان حتى تفتقده” (عبرانيين 6:2). وقد لقب المسيح نفسه بهذا اللقب ليكون ممثلاً للبشر ونائباً عنهم، صائراً في شبه الناس.
ومن هذه التسمية الجميلة التي كان المسيح يحبها، نرى أن المسيح يحبنا حتى رضى أن يصير إنساناً مثلنا، ويسمي نفسه “ابن الإنسان” بمعنى أنه واحد من البشر.
إليه نأتي بدون خوف…
وعنده نطرح مشاكلنا بدون تردد..
إنه حسب نفسه ممثلاً ونائباً عن البشر..
هو شفيعنا!
ابن الإنسان مرتبط بكل البشر:
المسيح مرتبط بالبشرية كلها. ابن الإنسان، ابن آدم، ابن البشر جميعاً، الذي جاء من أجل الجميع. لقد رآه البعض نبيَّ أمته وحدها، واقتبسوا لذلك شاهدين: الشاهد الأول عندما أرسل تلاميذه ليكرزوا وقال لهم: “إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة” (متى 5:10 و6) فقال قائل “إن المسيح جاء لأمته وحدها، وليس للبشرية كلها. لكن الذي يقول هذا لا يدرك أن قول المسيح: “اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة” كان أمراً لتلاميذه بمناسبة إرساليتهم الأولى التي أرسل فيها المسيح تلاميذه بغرض تدريبهم، ومن الأفضل لمن يتدرب أن يخدم من يعرفهم قبل أن يذهب إلى من لا يعرفهم. ولذلك فقد أرسل تلاميذه ليبشروا أمتهم اليهودية أولاً، لأن اليهود أهل كتاب مُنزَل. ثم بعد ذلك توجه التلاميذ بأمر من المسيح ليخدموا الوثنيين الذين لا دين لهم، وانتشروا برسالة المسيح إلى أقصى الأرض، بناءً على تكليف السيد المسيح لهم. نعم جاء المسيح للبشرية كلها، أما إرساله تلاميذه ليبشروا اليهود أولاً، فقد كان ذلك للتدريب، لكن أمره جاء بعد ذلك: “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” (مرقس 15:16) وأرسل الروح القدس لتلاميذه بهدف هو: “ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً، في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أعمال 8:1).
ويقتبس بعضهم قول المسيح لامرأة كنعانية، كانت ابنتها مريضة، واستجارت به، فقال لها: “لم أُرسل إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة” (متى 24:15). فيقولون إن المسيح كان نبي أممته فقط. لكن الذين يقولون هذا ينسون أن المسيح عندما قال للسيدة هذا القول كان قد ذهب ليزور منطقتها الوثنية، فجسمه موجود حيث تلك السيدة. لقد ذهب بنفسه إلى الوثنيين – ذهب برغبته – وفي تلك المنطقة أجرى المسيح معجزة بأن أطعم أربعة آلاف بسبعة خبزات وقليل من السمك حتى أكل الجميع ورفعوا من بقية الطعام سبعة سلال مملوءة. إذاً لماذا قال المسيح إنه لم يرسل إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة؟ الإجابة: ليشرح للتلاميذ أن الإيمان العظيم موجود بين الوثنيين كما هو موجود بين شعبهم. لم يكن الكلام موجهاً للمرأة بقدر ما كان موجهاً للتلاميذ. وقد ظهرت عظمة إيمان تلك المرأة عندما جاوبت المسيح بقولها: “والكلاب تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها” فأظهرت عظمة تواضعها وعظمة إيمانها، فقال المسيح لها: “يا امرأة، عظيم إيمانك. ليكن لك كما تريدين” فشفيت ابنتها من تلك الساعة.
عندما لقَّب المسيح نفسه أنه “ابن الإنسان” أظهر أنه جاء للبشر جميعاً، وأنه مرتبط بالبشرية كلها. ولا عجب أنه قال بفمه الطاهر: “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”.
ابن الإنسان المخلص المنتظر:
ورد في سفر المزامير القول: “لتكن يدك على رجل يمينك، وعلى ابن آدم الذي اخترته لنفسك” (مزمور 17:80).
وجاء في نبوة النبي دانيال أنه رأى رؤيا – رأى أسداً له جناحا نسر، وهو يمثل مملكة بابل – ثم رأى دباً وفي فمه ثلاثة أضلع بين أسنانه، وهو يمثل مملكة أشور – ثم رأى نمراً وله على ظهره أربعة أجنحة طائر، وهو يمثل مملكة فارس – ثم رأى حيواناً رابعاً هائلاً وقوياً وشديداً وله أسنان كبيرة من حديد، وهو يمثل مملكة اليونان تحت حكم اسكندر الأكبر.
ثم رأى دانيال رؤيا خامسة.. رأى أنه وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقربوه قدامه، فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول.. وملكوته ما لا ينقرض (دانيال 7).
“ابن الإنسان” هذا يبدأ عهد حكم جديد، يوم ويتسلط بمجد.. إنه ملكوت المسيح ابن الإنسان.
ولا شك أن المسيح كان يعرف أن لقب ” ابن الإنسان” المذكور هنا هو لقب المسيا، والمسيا هو الملك المخلص المنتظر الذي كان اليهود ينتظرونه مخلصاً لههم.
على أن غلطة اليهود هي أنهم ظنوا أن المسيا يملك ملكاً أرضياً، ويطرد الرومان المستعمرين.. مع أن المسيح جاء ليملك ملكاً روحياً على قلوب كل من يؤمن به من كل شعب وأمة.
وقد تحدث المسيح ن الخلاص الذي جاء به للبشر، بعد أن أعطاه لزكا، فقال: “لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك” (لوقا 10:19).
وتحدث المسيح عن نفسه باعتبار أنه “ابن الإنسان” صاحب السلطان على الأرض أن يغفر الخطايا (مرقس 10:2).
وتحدث أيضاً باعتبار أنه ابن الإنسان “رب السبت أيضاً” (مرقس 28:2) وقال: “لان ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص” (لوقا 56:9). وقد أرسل المسيح تلاميذه ليكرزوا به، وقال لهم: “طوباكم إذا أبغضكم الناس.. من أجل ابن الإنسان” (لوقا 22:6).
ابن الإنسان المتألم:
وقد تحدث المسيح كثيراً عن ابن الإنسان الذي يتألم من اجل فداء الناس.
يقول المسيح لتلاميذه: “ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل” (مرقس 31:8).
وقال لتلاميذه: “تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح، وابن الإنسان يُسلم ليصلب” (متى 2:26).
وحين جاءه يهوذا الإسخريوطي ليقبله قبلة الخيانة قال له: “أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟” (لوقا 48:22).
وقال الملاك للنساء بعد القيامة: “ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويُصلب” (لوقا 7:24).
على أن آلام ابن الإنسان لم تنته بالموت لكنها انتهت بالقيامة!.
وقد تحدث المسيح مع تلاميذه عن المجد الذي ينتظره بعد القيامة بالقول: “متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً” (متى 28:19).
ابن الإنسان القاضي:
“لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان” (متى 27:24).
“يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” (متى 41:13-43).
“ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار” (متى 31:25-33).
“اسهروا إذاً وتضرعوا كل حين لكي تحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون، وتقفوا قدام ابن الإنسان” (لوقا 36:21).
إن ابن الإنسان قد جاء متواضعاً أخلى نفسه.. وأخذ صورة عبد.. وتألم من أجل الخلاص للبشر جميعاً.. وقام منتصراً من القبر، وغلب.. وكل من يؤمن به ينال مغفرة الخطايا.. وكل من لا يؤمن يصير مستحقاً نار الدينونة الأبدية..
لقب السيد المسيح “ابن الإنسان” يدُّل على أن المسيح قد جاء للبشر جميعاً، بل جاء خصيصاً لك أنت ليخلصك. وعليك أن تخصص مجيء المسيح لعالمنا بركة لك أنت شخصياً، عندما تقبله في حياتك سيداً لك، ليغير حياتك وليباركك وليجعل منك إنساناً جديداً، فنقدر أن تقول مع رسول المسيحية بولس: “الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي”.
7- عبد الله
«آخذاً صورة عبد» (فيلبي 7:2)
يتحدث المسيحيون عن المسيح باعتبار أنه صاحب طبيعتين فهو إله وإنسان معاً، لأن الإنجيل يقول: “عظيم هو سرُّ التقوى الله ظهر في الجسد” (1تيمو 16:3). في ألوهيَّته أسكت الرياح العاصفة، وأقام الموتى، وخلق من الطين حياة. وكإنسان كامل جاء عبداً، واحتمل موت الصليب، وضحى بنفسه وأطاع الله ورفض طريق العنف، فكان له النصر النهائي، ولذلك فإن الإنجيل المقدس يطلق على السيد المسيح لقب “عبد الرب” إنه الله، لكنه في الوقت نفسه عبد الرب المتألم المضحي الفادي المنتصر.
الحقيقة التي يعلنها لنا الإنجيل المقدس هي أن المسيح هو الله الذي تجسد وصار إنساناً ليتمم عمل الفداء وليموت من أجلنا على الصليب، ثم ليقوم من بين الأموات ويعود إلى المجد الذي جاء منه.
قبل مجيئه إلى أرضنا هو الله، وفي أثناء إقامته في أرضنا هو الله المتجسد في صورة عبد – في صورة إنسان. وبعد أن أنهى عمله الفدائي عاد إلى مجده الأصلي. استمع إليه في صلاته الشفاعية وهو يقول: “أيها الآب، مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً، إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد، ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته. وهذه هي الحياة الأبدية التي يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته. أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته. والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان عندك قبل كون العالم” (يوحنا 1:17-5).
لقد كان في مجده فأخلى نفسه من مجده، وجاءنا إنساناً عبداً لله، وأكمل العمل الذي جاء من أجله، وعاد إلى مجده الأصلي. فالمسيح هو الله، وهو عبد الله المتألم. نصدق لو أننا قلنا إن المسيح هو عبد الله فهكذا تقول الأناجيل. ونصدق لو قلنا إن المسيح هو عبد الله، لأنه في مرحلة معينة من عمره تجسَّد وصار إنساناً، آخذاً صورة عبد. وبعد أن أكمل خدمته عاد إلى مجده.
العبد المتألم:
المسيح عبد الرب الذي اختار أن يصير إنساناً ليضحي من أجلنا ويقدم نفسه كفارة عن خطايانا. فيقول الإنجيل المقدس كما رواه متى في الأصحاح الثامن: “لما جاء يسوع إلى بيت بطرس رأى حماته مطروحة ومحمومة فللمس يدها، فتركتها الحمى فقامت وخدمتهم. ولما صار المساء قدَّموا إليه مجانين كثيرين، فأخرج الأرواح بكلمة، وجميع المرضى شفاهم، لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل: “هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا” (متى 17:8) لقد قبل السيد المسيح أن يقوم بالعمل الفدائي كاملاً، ولقد تحدث النبي إشعياء في التوراة قبل مجيء المسيح إلى أرضنا بسبعمائة سنة، قائلاً بلسان السيد المسيح: “أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين، لأعرف أن أغيث المعيي بكلمة، يوقظ كل صباح لي أذناً لأسمع كالمتعلمين. السيد الرب فتح لي أذناً وأنا لم أعاند. إلى الوراء لم أرتد، بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق، والسيد الرب يعينني، لذلك لا أخجل، لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت أني لا أخرى” (إشعياء 4:50-7).
هذا هو السيد المسيح الذي جاء أرضنا إنساناً مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس ليخلص الذين لم يقدروا أن يتمموا مطالب الناموس. ولقد كتب النبي إشعياء في فسره شيئاً عن هذا العبد المتألم، الذي جاء أرضنا ليقدم نفسه ذبيحة كفارية عنا، وكأن إشعياء كان جالساً تحت الصليب يصف ما يجري فوقه. استمع إليه وهو يقول في الأصحاح الثالث والخمسون من سفره: “أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها. لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة، من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة، وهو حمل خطية كثيرين، وشفع في المذنبين” (إشعياء 10:53-12).
أطاع المسيح عبد الرب طاعة كاملة، كإنسان كامل جاء إلى أرضنا، وقام بكل ما كلفه به الآب السماوي، وهو بذلك يعطينا نموذجاً رائعاً فيما يجب أن تكون عليه طاعتنا.
نعم، كانت حياة المسيح مذهلة في طاعته، لذلك يقول رسول المسيحية بولس: “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً. الذي إذ كان صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسو كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (فيلبي 5:2-11).
العبد البعيد عن العنف:
رفض المسيح طريق العنف. فعبد الرب الذي تألم من أجلنا لم يقاوم الذين جاءوا يصلبونه، لأنه لهذا الهدف قد جاء. ويخبرنا الإنجيل المقدس أنه عندما جاء رجال اليهود ليلقوا القبض عليه استلَّ بطرس سيفه وضرب مَلخُس عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه، فقال المسيح لتلميذه بطرس “رُدَّ سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون” (متى 52:26). ثم مضى يقول لتلميذه: “أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة فكيف تكمل الكتب أنه هكذا ينبغي أن يكون؟” (متى 53:26 و54). لقد كان المسيح عندما سلم نفسه للذين جاءوا لإلقاء القبض عليه يدرك أنه يتمم نبوات العهد القديم. وفي غير عنف سلم نفسه لصالبيه.
في تأملنا في لقب المسيح عبد الرب المتألم، نرى أنه قد حاز النصر النهائي، إذ جاء أرضنا إنساناً، وتمم مشيئة الآب السماوي، فرفعه الآب إليه وأعطاه اسماً فوق كل اسم. نعم كما يقول الإنجيل: “إنه ينبغي أن يملك ليضع أعداءه موطئاً لقدميه” (1كو 25:15). ندعوك الآن أن تصير حبيب المسيح، أن تقبله مخلصاً لك، وأن تستفيد من عمله الكفاري على الصليب.
9- الطبيب
«لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى» (متى 9: 12).
تذمر رجال الدين اليهود على المسيح، واستغربوا أنه يأكل مع الخطاة والعشارين، وانتقدوه على ذلك. ولكن المسيح قال لهم: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى.. لأني لم آت لأدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة”.
وقد جاء المسيح من أجل الخطاة، لأنه الطبيب الروحاني الذي جاء ليشفي المتسلط عليهم إبليس. وهو اليوم الطيب الوحيد الذي يقدر أن يشفي من مرض الخطية، لأنه وحده الذي يملك العلاج، فليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أعطى بين الناس، به ينبغي أن نخلص” (أعمال 12:4).
وفي العهد القديم انتظر الناس الذي يشفيهم، فسأل إرميا: “أليس بلسان في جلعاد، أم ليس هناك طبيب؟ فلماذا لم تعصب بنت شعبي؟” (إرميا 22:8). وكان إشعياء قد أعلن أن خطية الشعب القاتلة بدون طب ولا علاج “من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة، بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تُعصر ولم تُعصب ولم تُلين بالزيت” (6:1).
وأخيراً جاء الطبيب الذي انتظروه.. الطبيب الذي شفى، والذي يشفي.
الطبيب البشري يعجز أحياناً:
الأطباء من البشر يعجزون أحياناً عن العلاج، كما فشلوا مع نازفة الدم التي أنفقت كل معيشتها على الأطباء، ولكنها صارت إلى حال أردأ (مرقس 26:5). وقد جاء في أمثال اليهود مثل يقول: “أيها الطبيب اشف نفسك” (لوقا 23:4).
ولم يكن الأطباء اليهود متقدمين في مهنة الطب، لأن اليهودي كان يؤمن أن المرض جزاء الخطية، فإذا عاون الطبيب المريض لتخفيف آلامه أو لشفائه يكون قد تدخل في معاملة الله مع شعبه، ولذلك نقرأ عن الملك آسا أنه أخطأ لأنه عندما اشتد عليه المرض لم يطلب الرب بل طلب الأطباء فمات (2أخبار 12:16).
ولم يكن الأطباء اليهود متقدمين في الجراحة لأن لمس جثة الميت كان ينجس اليهودي سبعة أيام، إذ يقول الناموس: “من مس ميتاً يكون نجساً سبعة أيام.. كل من مس ميتاً ولم يتطهر ينجس مسكن الرب فتقطع تلك النفس من إسرائيل” (العدد 11:19 و13). ولما كان التقدم في الجراحة يعتمد على التشريح، كان أطباء اليهود متأخرين في هذا الفن.
ولكن فن الطب تقدم عند اليهود بمرور الوقت، ونقرأ في حكمة يشوع بن سيراخ قوله: “أعط الطبيب كرامته لأجل فوائده لان الرب خلقه، لأن الطب آتٍ من عند العلي.. الرب خلق الأدوية من الأرض والرجل الفطن لا يكرهها.. عن العلي قد ألهم الناس العلم لكي يتمجد في عجائبه.. يا ابني إذا مرضت فلا تتهاون بل هلّ إلى الرب فهو يشفيك.. أقلع عن ذنوبك ونقِّ قلبك منكل خطية، ثم اجعل موضعاً للطبيب فإن الرب خلقه، ولا يفارقك فإنك تحتاج إليه”.
وفي أخبار رحلات بولس الرسول نرى أنه أخذ معه البشير لوقا، كاتب إنجيل لوقا وسفر الأعمال، ونحن نعلم أن لوقا كان طبيباً (كولوسي 14:4) وقد أخذ بولس من نصائح لوقا الطبية ما أرسله إلى تيموثاوس الذي كان يعاني من مرض في معدته (1تيمو 23:5).
يسوع يرى الحالة:
قال أحد الحكماء: “إن المحامي يرى الناس في أردأ حالاتهم، عندما يذهبون إليه بمشاكلهم.. أما القسيس فيرى الناس في أحسن حالتهم، عندما يذهبون إليه للعبادة. لكن الطبيب يرى الناس كما هم في حالتهم الحقيقية.. ليس الأحسن ولا الأردأ، لكن الواقع الصحيح..
ولا يرى الطبيب في المريض الذي أمامه غنياً أو فقيراً، لكنه يرى إنساناً محتاجاً للعلاج.
هكذا مع المسيح. إنه يرانا في حالتنا الطبيعية الحقيقية كما هي. إنه يرانا خطاة محتاجين إلى التوبة والغفران. وليس محتاجاً أن يخبره أحد عن الإنسان لأنه عرف ما في الإنسان. كل شيء عريان ومكشوف لديه.
يسوع يعرف الخطأ:
بعد أن يرى الطبيب الحالة كما هي يعرف مكان المرض، ويعطي التشخيص. وفي التشخيص يعلن الطبيب نقطة الضعف التي سببت مرض المريض.
وقد عرف المسيح أن علة مرض الناس هي الخطية.. ولذلك أعلن أن الخطية هي السر.
وأنت إذ تصغي إلى كلام المسيح تشعر أنه يشخص الحالة بالضبط. على الأرض كتب خطية الرجال الذين جاءوا ليرجموا المرأة الخاطئة، حتى اختشى كل واحد منهم ومضى. وفي حديثه مع بطرس قال له إنه سينكره ثلاث مرات، بينما لم يعرف بطرس حالة نفسه وظن أنه لو شك الجميع في المسيح فهو لا يشك.
يسوع يريد أن يساعد:
الطبيب الذي يرى الحالة، ويعرف سبب المرض يهتم بأن يساعد المريض. قد نرى نحن المجروح ونحزن عليه، ولكننا لا نقدر أن نساعده. أما الطبيب فإنه يساعد.
رأى الكاهن اليهودي المجروح وجاز مقابله بدون أن يساعده، ورآه اللاوي ولم يساعده أما السامري الصالح فقد نزل عن دابته وساعد الرجل الجريح، ولم يتركه حتى اطمئن عليه.
والرب يسوع المسيح هو الطبيب الذي لا يمكن أن يترك المريض المحتاج للمساعدة بدون أن يساعده. إنه لا ينظر إلى المريض في “قرف” واحتقار، لكنه ينظر إليه في عطف وحنان، ويعمل على شفائه.
ومَن غير يسوع المسيح يشفي، ويخفف الألم، ويريح القلوب؟!
يسوع ضحي بنفسه:
يعرف الطبيب الحالة، ويشخص المرض، ويجاهد أن يساعد، حتى إن كانت هذه المساعدة تكلفة حياته. وفي أيام الأوبئة يخرج الأطباء إلى مكان الوباء، ويضحون بصحتهم وراحتهم في سبيل المرضى ليساعدوهم. وقد سمعنا عن أطباء ماتوا وهم يعالجون أحد المرضى بمرض خطير بسبب العدوى..
وقد قدم المسيح نفسه من أجل خلاص العالم.. الذي لم يعرف خطية جعل خطية لأجلنا، وإذ تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً فيهما، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب! وما أعظم التضحية!!
يسوع الذي يعرف العلاج:
بعد أن يعرف الطبيب المرض يقدم العلاج الصحيح. وقد يخطئ الطبيب البشري، أو قد لا يجد علاجاً للمرض. غير أن الطبيب العظيم يسوع لا يصعب عليه أمر، ويستطيع كل شيء.
هو الذي عالج مرض الخطية بنجاح ليس بشفاء آثار الخطية فقط، لكن بتغيير الطبيعة الأصلية الخاطئة وإعطاء طبيعة جديدة تعمل الخير والصلاح. لأنه إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، لأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً.
وهو الذي أزال الخصام بيننا وبين الله، وصالحنا معه فلسنا بعد أعداء، لكننا أبناء له. ورثة الله ووارثون مع . “أما كل الذين قبلوه فقد أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه” (يوحنا 12:1).
يسوع يشفي مرض الجسد:
رأينا يسوع يشفي المرض الصعب مرض الخطية، وكلمة “خلاص” معناها “شفاء” فإن يسوع يشفينا من مرض البعد عن الله..
على أن يسوع يشفينا من مرض الجسد أيضاً، فعندما كان على الأرض كان يطوف يعلم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب (متى 23:4) وعندما أرسل تلاميذه ليكرزوا للناس أوصاهم قائلاً: “أشفوا مرضى. طهروا برصاً. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين” (متى 8:10).
وهو اليوم يشفي كل من يدعوه، وهناك الوعد الصادق: “أنا الرب شافيك” وكلمة شفى في اللغة العبرانية هي كلمة “رفا” وهي تعني حرفياً ما يقوم به الرفا الذي يخيط نسيج الثوب معاً ليصلحه بعد تمزيقه وليس شفاء المسيح وضع قطعة من ثوب جديد على جزء ممزق في ثوب عتيق، فإن هذا هو الترقيع، لكن يسوع يجمع أجزاء الجسد معاً حتى تؤدي وظيفتها كما كانت.. إنه يعيد الجسد المريض إلى ما كان عليه، هذا ما فعله مع صاحب اليد اليابسة، إذ رجعت اليد المريضة صحيحة كالأخرى (مرقس 5:3).
عزيزي القارئ
لك في يسوع المسيح ما تحتاج إليه من شفاء روحي وجسدي.. أطلب وجهه تجد الراحة!
أفرغت كل جهدي في طلب الطبيب
فما بلغت قصـدي وزاد بي النحيب
ظل الرجاء عندي واليأس كالمريب
حتى أزال وجدي مخلصي الحبيب
هذا الطبيب الشافي والفارج الكروب
مد يــد الألطاف وطيب القلوب
أعطي الضياء الصافي لأبصر الذنوب
وقال: دع خلافي تسلم من الخطوب
10- خبز الحياة
“أنا هو خبز الحياة” (يوحنا 35:6، 48)
كان المسيح يعلن للسامعين حقائق روحية، يسندها بمعجزة ملموسة تشرح معنى الحقيقة الروحية. وكان أحياناً يجري معجزة، يعلن بعدها لسامعيه المعنى الروحي لما قال. فالمسيح يبارك الروح ويبارك الجسد أيضاً.
وفي الأصحاح السادس من إنجيل يوحنا نقرأ عن معجزة إطعام الخمسة الآلاف بخمس خبزات وسمكتين، ثم نسمع إعلان المسيح عن نفسه أنه “خبز الحياة” بعد أن أعلن حبه واهتمامه بأجساد الناس، أعلن حبه واهتمامه بخلاص أرواح الناس. وهو يريد أن يبارك جسدك وقلبك.
والخبز جزء هام رئيسي في طعامنا، فإننا لا نقدر أن نأكل طعامنا بدون الخبز.. ونحن نقرأ القول المقدس: “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان” ومع أن معنى الآية أن الخبز وحده لا يكفي، إلا أن معناها أيضاً أن الخبز شيء هام لحياة الإنسان.
وقد قال المسيح عن نفسه إنه “خبز الحياة” مرتين في أصحاح واحد، وبعد معجزة إطعام خمسة آلاف نفس بخمس خبزات وسمكتين.
وأجرى المسيح معجزة إطعام الخمسة الآلاف في البرية، وفاضت اثنتا عشر قفة.
وفرح الشعب بالطعام، وأسرعوا يبحثون عن المسيح ولما لم يجدوه عبروا البحر وجاءوا إلى حيث كان، وسألوه: “يا معلم: متى صرت هنا؟” فكان جوابه: “أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم”.
وكثيرون يجرون وراء المسيح لأنهم يطلبون النفع المادي والخبز الجسدي، مع أننا يجب أن نطلب ملكوت الله وبره أولاً.
ومع أننا يجب ان نطلب طعام الروح أولاً، إلا أن الله يعطينا كل شيء بغنى للتمتع. إنه يعطينا غذاء القلب وغذاء الجسد، وقد علمنا أن نصلي في الصلاة الربانية قائلين: “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم”.
وعندما تكلم الشعب عن الممن الذي أكله آباؤهم في البرية وماتوا، كلمهم المسيح أنه هو خبز الحياة.
“ونحن اليوم نعلم أن المسيح هو الخبز الحي، الذي وحده يعطي الحياة، والذي لا حياة إلا به وفيه.. فهو وحده الطريق والحق والحياة.. وهو وحده القيامة والحياة.
الخبز الذي نزل من السماء:
كان بنو إسرائيل يعتقدون أن المن خبز من السماء (نحميا 15:9) وطعام الملائكة (مزمور 25:78).
وكان المن في نظرهم يرتبط بمعجزة من السماء، لا يستطيعون أن يدركوا عمقها.. وكانوا يعتقدون أن المسيا الآتي سيطعم شعبه من المن السماوي. وكانوا يقولون إنه ما دام موسى المنقذ الأول أعطاهم المن، فغن المنقذ الأخير الذي هو المسيح سيعطيهم أيضاً المن.
ونحن نعلم أن اليهود كانوا يضعون في التابوت: الوصايا العشر، والعصا التي أفرخت، وقسط المن (عبرانيين 3:9 و4). وكانوا يقولون إن إرميا جاء وقت خراب الهيكل وأخذ قسط المن وأخفاه . وحين يجيء المسيا المخلص، يحضر القسط الذي أخفاه إرميا، ويطعم المن للمؤمنين ولعل هذه الفكرة كان في ذهن من قال: “من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن المخفي” (رؤيا 17:2).
وقد أعلن المسيح أنه المن النازل من السماء، والخبز الذي من السماء.. هو الله الذي ظهر في الجسد.. وهو الذي انتظرته الأجيال.
هو الذي جاء من عند الله ومعه ما يشبع القلب.
الخبز اللازم للحياة:
“أنا هو خبز الحياة” معناها “أنا هو الخبز الذي يعطي الحياة”.
“لأن خبز الله هو النازل من السماء، الواهب الحياة للعالم.. لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني: إن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا 33:6 و40).
ويقول المسيح: “من يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم” (يوحنا 47:6-51).
والمسيح يريد أن يقول إنه الذي يعطي الحياة هنا في هذا العالم، وفي العالم الآتي بالحياة الأبدية. فيه وحده الحياة، وبدونه لا نقدر أن نحيا أو نتحرك أو نوجد.. هو حياتنا.. ونحن نحيا به.
في أثناء الحرب العالمية الثانية طلبت محطة الإذاعة البريطانية من فيلسوف مسيحي أن يلقي بعض المحاضرات الدينية في الإذاعة. وألقى الفيلسوف كلايف لويس عدة محاضرات عظيمة، قال في محاضرة منها إن الله خلق الإنسان ليحيا به وحده، فلا يمكنه أن يحيا بدون الله. وضرب الأستاذ لويس مثلاً قال: السيارة التي صنعها المهندس لتسير بالسولار الرخيص الثمن لا يمكن أن تسير بوقود غيره. فإذا وضعت في خزانها ماء، وهو أرخص شيء، لا تسير.. وإذا وضعت في خزانها عطراً غالي الثمن، لا يمكن أن تسير. إنها لا يمكن أن تسير إلا بالسولار، لان المهندس الذي صنعها يريد لها ذلك.
ثم قال الأستاذ لويس إن الله خلقنا لنحيا ونتحرك ونوجد، ولكننا نحاول أحياناً أن نحيا بدون الله، فنصرف كل وقتنا لجمع المال، أو في محاولة الحصول على السلطة والعظمة، أو في الجري وراء الشهرة، أو في الحصول على العالم كله، وننسى الله. ونكتشف أن كل هذه الأشياء لا تجعلنا نتحرك. والسبب بسيط: إن الله خلقنا لكي نحيا به وحده، ويجب أن نعطيه المكان الأول في قلوبنا.
أيها القارئ العزيز: الغذاء الوحيد الذي يعطيك الحياة ويشبع قلبك هو يسوع المسيح وحده. فقد تجري وراء غيره فتتعب ولا تحصد إلا الجوع والعوز.. ولكنه هو الذي يشبع قلبك ويملا حياتك بالاكتفاء والراحة والسعادة. “فيه كانت الحياة”.
الخبز الصالح للجميع:
كان بنو إسرائيل يقولون إن المن يناسب الناس من كل عمر. وفي كل حالة. إنه يناسب المريض والصحيح ، ويناسب الكبير والصغير.
لا زال الخبز إلى اليوم طعام الجميع.. الغني والفقير الجميع يأكلون من الخبز. ويسوع المسيح الخبز النازل من السماء هو طعام الجميع. وفي كلام المسيح يفتح الباب أمام الجميع حتى ينالوا الحياة.
“من يأكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد” (يوحنا 51:6).
“كل من سمع من الآب وتعلَّم يُقبل إليَّ” (يوحنا 45:6).
أيها القارئ العزيز: الفرصة لك أن تأتي إلى المسيح. وتجد فيه كل ما تحتاج إليه. عنده كل حل لكل مشكلة من مشاكلك. إنه يفتح بابه لك. ويدعوك بترحيب. مائدة مستعدة لاستقبالك، كأنه لا يوجد أحد في العالم إلا أنت!
الخبز الذي يعطي الحكمة:
الله الذي هو الحكمة ينادي:
“كلوا من طعامي.. اتركوا الجهالات فتحيوا، وسيروا في طريق الفهم” (أمثال 5:9).
كل من يأكل من هذا الخبز يصبح حكيماً ويترك طريق الجهل. ونحن نحتاج إلى هذا الخبز في كل وقت.. في كل يوم.. في الصباح والظهر والمساء.
وكما نأكل نحن الخبز في كل حين، هكذا نحتاج إلى حكمة الله في كل حين، حتى نعرف كيف نميز بين النافع والضار، وحتى نقدر أن نختار بين الصالح والأصلح.
“الحكمة ذبحت ذبحها.. رتبت مائدتها. أرسلت جواريها تنادي: هلموا كلوا من طعامي” (أمثال 1:9-5).
فهل تأتي أيها القارئ العزيز إلى المسيح، وتطلب منه أن يشبع قلبك بكل ما تحتاج إليه؟ إنك تحتاج إليه، لأنك بدونه تحيا في جهالة.
الخبز لك.. أنت:
لا يستطيع أحد أن يأكل الخبز بدل شخص آخر!
كل واحد يأكل طعام نفسه. وفي معاملتك مع المسيح يجب أن تؤمن أنت نفسك شخصياً. “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه” (يوحنا 56:6).
“هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت” (يوحنا 50:6).
الأكل عمل فردي.. وكذلك الإيمان بالمسيح.
ولا بد أن يدخل الخبز في جسدنا، ويصبح لحماً من لحمنا، وعظماً من عظامنا، ودماً من دمنا.
أيها القارئ العزيز:
هل قبلت المسيح في قلبك؟
هل سلمت له حياتك؟
افتح قلبك له، وخذ منه الحياة.